مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يبقى لنا ونحن في نهاية هذا الدعاء أن نقف عند ما توحي به الفقرات التي تقدم لنا الخطوط العريضة لنتمكن من تجسيد كل ما وعيناه وصدقنا به والتزمناه وآمنا أنه الحق في واقعنا العملي.
"اللهم إنا نرغب إليك في دولةٍ كريمةٍ، تُعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة”. هذه الفقرة تقدم لنا نتيجة توحيد العباد لربهم، ومقتضى إيمان المؤمنين بخالقهم، فالله معتمدهم وناصرهم ومعينهم، ولما كان كل شيء بيده وكل مخلوق تحت قهره عرفوا أن صلاح الحال وإصلاح الأوضاع لا بد أن يطلبوا سبيل البلوغ لذلك منه، ولا بد من إقامة حياتهم وتقويم سلوكهم وتحقيق استقامتهم وفق ما شرعه لهم ربهم وبينه لهم مالكهم ودعاهم إليه خالقهم وحثهم على الالتزام به إلههم، فليس بإمكان القوى الكافرة أن تفرض عليهم الاستسلام لإرادتها، وليس بإمكان ومقدور الفساد والمفسدين ولا باستطاعة الظالمين والمستبدين إجبار المؤمنين على التعايش مع الفساد والظلم والاستبداد، ومهادنة الضلال والباطل، ومداهنة الجبابرة والمستكبرين والطواغيت، وليس لدى هؤلاء المؤمنين قابلية الرضى بأنصاف الحلول والقبول بحياة نصفها كفر ونصفها إسلام، بل ثمة رغبة حقيقية تقوم على قناعة تامة في العمل على بناء دولة كريمة، يدل على ذلك توسلهم إلى الله أن يوفقهم ويعينهم لتحقيق ذلك، وهم يدعون مع وجود حركة في الواقع العملي تؤكد رغبتهم التي يعبرون عنها بابتهالاتهم بين يدي الله، ويجسدونها بمساعيهم الحثيثة في كل ساحات العمل، من خلال ما يعملون على تركيزه في كل الواقع وترسيخه في كل مجالات الحياة بحيث تقوم دولة الإسلام التي تنطلق في كل هذه الأرض وتستوعب وتستهدف كل الناس، لأنها تستند إلى الرسالة العالمية التي هي رحمة الله بالناس كافة وللناس كافة، هذه الدولة كريمة لأن بها تصان كرامة الإنسان ويحافظ فيها على نفسه وحقه وعرضه وإنسانيته.
دولةٌ لا تكتسب شرعيتها من قوى الاستكبار، ولا تستمد تشريعاتها ونظمها وقوانينها من قوى الانحراف والضلال. دولة وجهتها ربانية، ومقاييسها إلهية وملامحها إسلامية ومواقفها إيمانية. دولة لا تحد بسياج جغرافي. ولا تصاغ بنمط مناطقي، ولا تنحبس في حيز قومي وتنحصر على نطاق جغرافي، دولة دستورها القرآن، وتشريعاتها منه فقط، لا يوجد من يشرع لها سواه، ولا تقبل من غيره أن يرسم لها نهجاً أو يحدد لها حدوداً ويفلسف لها نظماً، ويصوغ له قوانين، ويصدر أحكاماً، لأن ذلك من مظاهر الشرك بالله وشواهد الحكم بغير ما أنزل سبحانه، وقد قال تعالى: {ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الكافرون}، {فأولئك هم الظالمون}، {فأولئك هم الفاسقون}.

أترك تعليقاً

التعليقات