البناء الفكري للشخصية الثورية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
هناك تجارب لاتزال حية متحركة، وإن لم يعد الذين صنعوها موجودين بيننا بأجسادهم، لكن تلاشي الجسد وانسكاب الدم على طريق ذات الشوكة أكسبهم وجوداً أكبر من كل وجود في واقعنا، وحقق لهم حياة أكمل من حياتنا، لأن كل خطوة قطعوها وكل كلمة قالوها وكل طاقة أعطوها وكل جهودهم التي بذلوها كانت بحق هي نقطة تركز الوجود الكامل والتام للذات التي تلتقي فيها كل المبادئ والدوافع والغايات التي تقود صاحبها نحو الهدف الكبير، وهو رضا الله تعالى، ومن هذه التجارب تجارب لاتزال تحظى باحتضان موجديها الذين يسيرون على درب من سبقهم باستقامة وعزم، ولم يطرأ عليهم أي عامل ليتغيروا على مستوى النفسية أو يغيروا ويبدلوا في قناعاتهم وفكرهم أي شيء مما قد يحول الإيجابيات إلى سلبيات، فهم المخلصون للخط والنهج والدم، فلا انحراف ولا ضعف ولا توقف عن السير على درب العزة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
ومع كل تلك النقاط المضيئة هناك أشخاص سقطوا وبدلوا جلوداً غير تلك الجلود التي عُرفوا بها سابقاً، وتجردوا من كل المبادئ والقيم وأضاعوا وضيعوا، لأن ظواهرهم لم تكن يوماً متطابقةً مع بواطنهم، ولأن المعايير التي انبنت وفقها دوافعهم لم تكن إلهية، ولذلك شاهدنا الكاتب فلان والسياسي علان والأديب فلتان بدأوا بداية طيبة وبعضهم حاز الصدارة فنال المنصب والمكانة في ساحة العمل برغم تعدد مناحيها واتجاهاتها، لكنهم بقدر ما اشتهروا بين الناس لم يمنع ذلك عنهم الانحراف والسقوط بالقدر ذاته الذي ألزمهم الانحطاط وألصقهم بالوحول، فما هو السبب الكامن وراء تبدل مواقفهم واختلاف أفكارهم؟
إنه وبدون شك افتقارهم للبناء الثقافي والفكري، لكونهم تصدروا العمل السياسي أو العسكري أو غيرهما.. دون أن يدخلوا من باب الفكر والثقافة الذي يعتبر أساساً وحاجة ملحة، لأن من خلاله نستطيع صياغة الشخصية العاملة في ميادين الثورة وساحات البناء والتغيير على أساس فكري وعملي ونظري لتكون المفاهيم المطروحة قادرة على الوصول إلى العمق الوجداني قابلةً لأنْ تنمو في دواخل العاملين وتنعكس على سلوكياتهم من خلال التجربة الواقعية والتفكير الواعي والعميق ليكون العمل منطلقاً في خط الاستقامة لا متخبطاً في المتاهات إذ تعبث به الرياح كما تعبث بالرمال المتحركة وأوراق الشجر المتساقطة، لأن أي عمل لا يبدأ بمرحلة تربوية وثقافية سوف يكون عرضة للانحراف خاضعاً للارتجال محكوماً بالضياع والفشل.

أترك تعليقاً

التعليقات