عاملان وراء الذلة بعد العزة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قيل في الأثر: «ما أقبح المؤمن الذي له رغبة تذله». الأمر الذي يجعلك تدرك: أن صراع جبهة الحق مع جبهة الباطل مهما طال لن يكون النصر فيه إلا للحق وأهله. الأمر الذي يدفعك للبحث عن العدو الذي يتحرك ضمن جبهة الحق، ويقطن ذوات محسوبة عليها، ومتبنية لشعاراتها وأهدافها؛ لكنها أسيرة للخوف، ومنجذبة للطمع، ومستعدة للتضحية بكل شيء مقدس من أجل المنفعة الخاصة.
لذا فيمكن القول ببساطة: إن وراء كل ما عاناه ويعانيه الإنسان قديماً وحديثاً من ظلم وفساد، وتجهيل واستعباد واستعمار واستحمار، وقتل معنوي ومادي عاملين اثنين هما: الخوف والنفعية.
هذا يعني: إن انتصارك على العدو المستكبر الظالم ما هو إلا بداية الطريق للمعركة الكبرى، التي على ضوء نتائجها سوف يتضح مآل الحركة الثورية والمجتمع الحاضن على مستوى الحاضر والمستقبل؛ إذ المسألة باختصار تقول: لن يتمكن أي مجتمع بشري على طول هذه البسيطة وعرضها من فرض سيادته واستقلاله، وانتزاع كل ما هو له من حقوق وحريات، وبالتالي التوجه لبناء واقعه الحضاري، إلا متى ما تحرر أولاً من هذين السجنين، اللذين لا وجود لهما في الخارج، ولكنهما موجودان داخل النفس، فيفرضان على الشخصية التي تحملهما أينما ذهبت قيوداً على الإرادة، ويبنيان الكثير من الزنازين والأسوار والأقبية لسجن وتغييب الفطرة، فتظل الشخصية الإنسانية ترزح تحت وطأة استعمار واستعباد خفي، وإن بدا لها أنها قد تحررت من المستعمر الجلي، وباتت تقف أمام قوى الاستكبار موقف الحر، الذي يملك قرار نفسه، ويستطيع تحديد وجهته بكل قوة كيفما شاء، على أساس الوعي بالواقع والمصير، ولكنها سرعان ما ستكتشف أنها كانت تعيش مجرد أوهام، لأنها لم تتحرر من مستعمر، إلا وقد وقعت في أسر مستعمر أشد منه ظلماً وبغياً وتعدياً واستعباداً وجورا، ولكن بأشكال وقوالب وأدوات محلية بحتة، وباسم الثورة والوطنية، وحماية المكتسبات العامة، والدفاع عن الهوية والقيم والعادات الأصيلة.
ولقد كان الشهيد القائد (رضوان الله عليه) موفقاً أيما توفيق؛ إذ اتجه أولاً إلى: تقديم الثقافة المتضمنة للعوامل التي تحرر المتلقي لهذا المشروع من كل مظاهر العبودية لغير الله، والتي تنشأ عادةً من وجود الخوف والنفعية في بواطن النفوس، وليس ثمة وسيلة لتطهير تلك البواطن إلا بالعودة إلى الله، عودةٌ أساسها المعرفة له، وجوهرها الإيمان به، ومنطلقها الإقرار بوحدانيته، وغايتها العمل على تأكيد العبودية المطلقة له.
ولا يخفى على ذي لب؛ أن هكذا ارتباطا بالله، سيقتل، بل سيقتلع هذين العاملين من جذورهما، بحيث تصبح روح الإنسان حرة عزيزة قادرة مريدة، صاحبة قرار، وذات قيم ومبادئ.
لذلك؛ لا يخدعنك التبريريون لسقطاتهم، أو المترددون والعاجزون، فهم ليس بينهم وبين الإيمان صلة؛ لأن الإيمان بالله، القائم على العلم والمعرفة بأنه لا إله إلا هو، يُعد العامل الوحيد الذي يستطيع صرف الإنسان عن ارتكاب أي ردة فعل مشين، نتيجة توقع الخطر، أو الضرر، وذلك لأن الإقرار بوحدانية الخالق، ومالكيته وقدرته المطلقة، تكسب النفس الشجاعة والقوة التي تجعلها على استعداد للمواجهة مع أي شيء، وتنزع من القلب الهيبة من كل ما سوى الله، لأنه هو فقط مَن بيده الضر والنفع، وهو سبحانه الحاكم المطلق لهذا الوجود، وكل ما عداه يظل عاجزاً ذليلاً مغلوباً، وما دام والجميع يشتركون من حيث العجز والشعور بالحاجة أمام الله، فلماذا الخشية من عاجزين مثلنا؟
وأخيراً؛ فالناس جميعاً تسيطر عليهم المخاوف ذاتها، ولا فرق بين إنسان وآخر، فالكل قد يخشى الموت ويخافه، والجميع يخاف من الفقر والضعف، وكل أشكال الحرمان، بيد أن الإيمان بالله يجعل الإنسان بمعزل عن الخضوع تحت تأثير تلك المخاوف، فلا تراه يتملق، ولا يكذب، ولا يداهن، ولا يحابي على حساب الحق، ولا يسكت على ظلم ظالم، أو فساد فاسد رغبةً بما عنده، أو رهبةً من بطشه، فالله قد ملأ قلبه، وساد على جميع كيانه، ولم يعد يرى شيئاً سواه، يخافه، ويطمع بما لديه.

أترك تعليقاً

التعليقات