الأسوأ من يزيد وأبيه
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
تنتابك الحيرة، كلما طالعتك الأيام بشواهد القصور والتقصير، وصورٍ من موت الضمير واللامبالاة، لمؤسسات كبرى من مؤسسات الدولة، وشخصيات لها ثقلها على كل المستويات، نظراً لموقعها القيادي ودورها العملي إنْ هي استوعبت ما يوحي به المنصب الذي وصلت إليه من مهام وأدوار، ولربما الكارثة الأدهى والأمر هو عندما تجد تجاهلا متعمدا من قبل أصحاب القرار لكل تلك الاختلالات والتجاوزات، وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، حينها تظل في حالة من الدهشة، التي تجعلك تنسى نفسك وتغيب تماماً عن الوعي بما ومَن حولك، داخلاً في عوالم لا حصر لها من الشرود الذهني، والصراخ اللاإرادي، والبكاء المفاجئ دون مقدمات وبلا مناسبة، فيرمقك جلساؤك بعين الريبة، إذ بات جنونك مسلماً بحدوثه، وتتلقاك أيادي أهل بيتك بوجوهٍ اكتست حلل الأحزان، وعباراتٍ ملؤها الحنان والخوف والإشفاق، إذ بات جلياً لهم اقتراب تحطمك وانهيارك، وبالتالي ينهار معك السند والظل والحامي والمعيل لهم، والمعني بتوفير كل ما يحتاجون إليه، ولعلهم جميعاً لا هم ولا مسؤولينا الأعزاء قد استمعوا يوماً للشهيد الصماد، وهو يؤكد على أهمية أن يكون العامل ضمن هذه المسيرة حريصاً على أن يدلل على الفوارق بينه وبين سواه من التيارات والأحزاب، وذلك عن طريق التحرك العملي، الذي لا بد أن يكون شارحاً لكل القيم والمبادئ التي تحملها كنهج، وتدعو الناس إليها ليل نهار، وليته توقف عند هذا التأصيل المهم، بل نجده يذهب أبعد من ذلك فيقول: إن المرتبط بالمسيرة منهجاً وقيادةً وثورةً وأمةً وخطاً قد توفرت له من الشواهد والأدلة التي توضح له ما الذي يمكن أن تجره على الدين والأمة من خيبات وهزائم ونكسات، وخزي ومذلة واستعباد، تلك الذنوب الصغيرة أو الشخصية التي يحرص المرتكب لها على ألا يراه أحد، وذلك حينما تلتقي بمثيلاتها من الذنوب، لذات النوع من هؤلاء، لتشكل نهراً جارفاً للأمة، وزلزالاً يقتلعها من الجذور ويحطم قوتها، فيأتي يوم القيامة ليرى العامل المذنب بحق نفسه، والمنتهك لحرمة ما بينه وبين ربه، وقد بات شريكاً في كل ما ارتكبه الباطل بحق المجتمع من ظلم وانتهاك للعرض، وقتل وتشريد واستعباد، فكيف بمَن يذنب بحق الناس وبحق المصير لكل هذه الأمة؟
إن هؤلاء الذين يستريحون للأعذار، ويعملون بحسب ما تمليه عليهم الرغبة، ويدفع إليه المزاج، لم يتأملوا قول الشهيد الرئيس عن معنى أن تكون معنياً بالقيام بعمل ما ومكلفاً بحمل مسؤولية معينة باسم المسيرة القرآنية، إذ لو أتيح لهم ذلك لما وجدنا مَن استقوى بمنصبه، وسخر ثقله ونفوذه لظلم شخص لا حول له ولا قوة، ويرفض رد اعتباره أو إنصافه، وإنْ من باب التسليم لسيد الثورة، الذي لم تجد توجيهاته طريقاً للقبول والتنفيذ، وسلوا شرف حجر، الذي اكتسبت مظلوميته من الوضوح والدقة الشيء الكثير، ولكن لا مجيب.
نعود إلى معنى المسؤولية من وجهة نظر الصماد إذ قال: أنت في مقام العمل لله ستقدم شهادة من خلال عملك، فإما أن تكون شاهداً لله، وإما أن تكون شاهداً للباطل، لأن هذه المرحلة هي المرحلة الوحيدة والأخيرة من زاوية ما ستتركه من أثر في الوجدان العام، فإذا أحسن المعنيون استغلالها ضمنوا العزة والفلاح للمسلمين والمستضعفين، وإذا قصروا كانوا هم القاتل لآخر أملٍ احتفت به الأمة واعتبرته سبيل الخلاص من كل المعاناة والقهر والاستلاب، فلن يثقوا بعدها بدين ولا بمصلح اجتماعي. وهكذا يتبين أن قاتل الأمل في نفوس الناس هو والله أسوأ من يزيد وأبيه وابن سعد والشمر وابن زياد، وأشد جرماً عند الله.

أترك تعليقاً

التعليقات