ضريبة الكلمة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
الكلمة النابعة عن وعي والدالة على الحق، والمتضمنة للصدق، يجب ألا نحارب حملتها، كما يجب أن نشجع كل مشتغلٍ بميدان الكلمة على اتخاذ رجال الكلمة الصادقة والحقة قدواتٍ لهم وأساتذةً يتعلمون منهم كل ما سيؤهلهم ليكونوا رساليين بأقلامهم وألسنتهم، وعلينا تعزيز الصلة بمد أكثر من جسر بين الكاتب والمتحدث وبين الكلمة، والعمل على توثيق عرى هذه العلاقة، وذلك من خلال تعريف كل مَن يجد في نفسه رغبة بأن يكون كاتباً أو مذيعاً بقيمة الكلمة وما تتركه في الواقع من آثار إيجابية قد تمتد إلى أكثر من صعيد، وتشرق على أكثر من معنى وعلى أكثر من مجال سواءً ما كان منها مقتصراً على الإنسان مشتملاً على كل ما يلزم للتعريف به وبيان سماته وخصائصه، أو ما كان متناولاً وشارحاً وموضحاً للحياة كل الحياة بمفهومها العام وأبعادها الواسعة والمتعددة.
إن الكلمة هي الأرض وهي الروح وهي الشمس وهي الحرية وهي العدالة، وهي الينبوع الذي يسقي زروع الفكر وينمي غراس الوعي والبصيرة، وهي مقتضى وجود الإنسانية في الإنسان الذي يحملها، وينطلق لمعرفة كل إنسان من حوله بناءً على إيحاءاتها ووفقاً لمقتضيات المسؤولية المترتبة على حملها كقيمة وموقف وقضية ورسالة.
إن المشتغلين في ميدان الكلمة الذي يتفرع إلى أكثر من موقع، وحملة مشعلها المختلفة ألوانه، هم أكثر الناس عرضةً للاهتزاز والخوف نتيجة حجم التهديدات التي تصلهم ممن يفضلون البقاء تحت جنح الظلام الذي يمكنهم من عمل كل ما يريدون من ظلم وبغي وتعدٍ على حقوق الناس وحرماتهم دون أن يراهم أحدٌ، لذلك لا يحبذون وجود النور، ولا يريدون للفجر أن يطل على الوجود، ولا للصبح أن يحتضن الواقع، لأن وجود النور والضياء ببعديهما المادي والمعنوي يعني كشف كل ما هو زيف وخداع، وبيان كل ما هو ضلال وباطل، وهذا بحد ذاته يمثل خسارةً كبرى لعبيد شهواتهم وأهوائهم، الأمر الذي يجعلهم يندفعون كالمجانين وبكل اتجاه لمحاصرة رجالات الكلمة الحقيقيين وحملة مشعلها الصادقين والمخلصين، ومنعهم من الوصول إلى الناس ومنع الناس من الوصول إليهم، من خلال اتباع أساليب عدة، تبدأ أولاً بعزلك عن وظيفتك، وقطع راتبك دون وجه حق، ثم تأتي المرحلة الثانية من الحصار والمنع، والتي لا شك تختلف الأساليب المتبعة فيها عن أساليب المرحلة الأولى، فهي هنا تعتمد على التشويه لتلك الألسن وتلك الأقلام لدى الناس، من أجل إيجاد حواجز فولاذية بين الطرفين قد تستمر أحياناً طوال زمن حياة هذا الكاتب والمفكر والشاعر أو ذاك، ولربما امتدت آثار تلك الدعايات والأكاذيب إلى ما بعد وفاة مَن انطلقت لتشويه صورتهم في ذهنية الناس بزمنٍ طويلٍ جداً، وشواهد ذلك لا تعد ولا تحصى على مستوى العالم الإنساني والإسلامي، لذلك فإن الكُتاب يتعرضون للتمحيص والاختبار أكثر من غيرهم وإن الذين يصمدون حتى نهاية المطاف هم القليل مقارنة بالذين يسقطون وينقلبون على أعقابهم ولا يقدرون على دفع ضريبة الكلمة.

أترك تعليقاً

التعليقات