مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي  / لا ميديا -

كثيراً ما قرأنا عن دور الإذاعة في معظم الحروب والثورات حول العالم، سواء ما كان إيجابياً يصب في خدمة 
الشعوب المقهورة ويعمل على استنهاض المجتمعات المستضعفة لمواجهة الأخطار والتحديات وضرورة السعي لتحقيق الأهداف الكبرى المبنية على قدر كبير من الوعي بالوجود والمصير والحرية والكرامة، أو ما كان سلبياً نتيجة ارتباطه بقوى الهيمنة والاستكبار الإمبريالي، 
بحيث يعمل على خلق قناعات وإيجاد توجهات في أوساط الشعوب المستهدفة تحمل أفكار المستعمر وتتبنى أعماله. 
ولقد عايشنا هذا النوع من الغزو كيمنيين وكعرب، ويمكننا اتخاذ هيئة الإذاعة البريطانية المعروفة بالـ(BBC) كمثال بارز عمل على تطبيع العقل العربي المتلقي بطابع الثقافة الاستعمارية. ولقد مثلت مرحلة التسعينيات ذروة سيطرة هذه الإذاعة على المجتمع اليمني، وبالخصوص مجتمع الريف. وما زلت أتذكر جدي ولحظات انتظاره للساعة الثامنة التي كانت توحي بانطلاق بث الـ(BBC) عبر الموجة المتوسطة عند تمام الثامنة من كل مساء. ولم يقتصر الارتباط بها على كبار السن بل وصل الحال إلى رعاة الأغنام والماشية الذين كانوا يرددون أهازيج وأغاني منددة بحجم الكذب والتدليس الذي تلعبه هذه الإذاعة، من مثل هذه المقطوعة التي علقت بذهني منذ الطفولة المبكرة التي تقول: «كذبة الغرب لندن جات تضحك علينا...». ولا شك بأن معظم المصطلحات التي لا تزال متداولة في ساحة العمل الإذاعي شاهد إضافي لتوكيد الأثر الأبوي للـ(BBC) على كل محطات الراديو العربية.
ونحن في هذه العجالة لا نود التعمق في هذا الموضوع، لأنه ليس محور حديثنا الرئيسي، وإنما أردت عزيزي القارئ أن أجعل من كل ما تقدم مدخلاً تمهيدياً نصل من خلاله إلى غاية هذا المقال ومن واقع الحال الذي نعيشه جميعاً، فقد شهد زمن ما بعد انطلاقة الثورة الشعبية المجيدة في العام 2014م إنشاء العديد من وسائل الإعلام. ومع دخول اليمن في مرحلة العدوان الأمريكي السعودي وجدنا تصاعداً مخيفاً في إنشاء محطات إذاعية كثيرة ومتنوعة. ولم تقتصر هذه الكثرة أو يقتصر هذا التنوع على جانب التصدي للعدوان والتعبير عن الشعب وتبني قضاياه، بل وجدنا إلى جانب هذا الاتجاه المحق والعادل توجهاً آخر يعمل على إخراج المجتمع من واقعه وإبعاده عن حقه وطبيعة الاستهداف له والدور الذي يجب عليه القيام به وخلق عالم آخر غير عالمنا ومحيط غير محيطنا وتبني قضايا لا علاقة لها بقضايانا ومناقشة هموم ليست من همومنا. وقد بلغ حجم خطر مثل هذه الإذاعات حداً لا يجب السكوت عليه ولا الضرب صفحاً عنه، إذ نجد تزييف الحقائق وتقويض المبادئ وضرب القيم شغل هذه الإذاعات الشاغل، وكل هذا العمل يقدم بعناية من قبل هذه الإذاعات، من حيث اختيار الموضوع والوقت، وكذلك الأسلوب والمذيع ذي اللهجة المستوردة أو المستورد بالكلية من خارج البلد. وهذه الإذاعات لا أحد يردعها ولا يوجهها أو يحد من ضررها على مجتمعنا، لأنها بحسب قول معالي وزير الإعلام في لقاء جمعنا به، إنها ملتزمة أكثر من الإذاعات المواجهة للعدوان. ولا أخفيكم أنني لا أزال حتى هذه اللحظة غير قادر على معرفة الالتزام الذي يقصده معالي الوزير، على الرغم من طول المدة التي تفصل ما بين قوله وبين وقت كتابة هذه السطور. لا أدري هل عدم فهمي لما قصد معاليه ناتج عن صعوبة متعلقة بقدراتي العقلية البسيطة، أم أن الأمر يسير وفق سياسة إعلامية مدروسة ذات مدى بعيد لا يفهمه إلا الراسخون في العلم. ومهما يكن الأمر فإن هذه النقطة تجرنا إلى نقطة أخرى تتصل بعملنا الإعلامي ودورنا الثقافي والتوعوي. وهذه النقطة كسابقتها حكم عليها معاليه لكن من زاوية التمرد والعصيان، لا لشيء سوى أنني تعرضت ضمن فقرات الفترة المفتوحة للشخصيات التي مثلت جسوراً سلكها المستكبر لفرض سيطرته علينا. وكذلك فإن هذه الشخصيات هي التي امتطاها النظام السعودي منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي وعملت على إيجاد ظروف هيأت للنظام السعودي مطايا من الفصيل ذاته على امتداد قرن من الزمن. فما إن ذُكر «الزبيري» ورفيقه «علي الوزير» وكذلك «الورتلاني» وبقية التركيبة حتى جاء التحذير والاستنكار من معاليه وعبر اتصالات مكثفة بالقائمين على الإذاعة لتعريفهم بحجم «الكارثة» و»الجريمة» التي ارتكبها هذا المذيع المفرط، إذ كيف يذكر قصيدة الزبيري التي قيلت بين يدي المجرم الهالك عبد العزيز بن سعود والتي جاءت بشكل أقرب ما يكون إلى المباركة لابن سعود على ما تحقق له بعد عدوانه مع بريطانيا على اليمن في عام 1934م؟! كما أن المذيع لا يحق له أن يقدم شواهد تاريخية تبحث في جذور الانحراف والعمالة، فمثلاً عليه التوقف عند الزنداني دون التعرض لأستاذه الزبيري، وعليه الاقتصار بالحديث عن مرتزقة الحاضر دون تناول الجذور والخلفيات التي شكلت بيئتهم. ومع أنني اقتصرت حينها على ما قاله المؤرخون والكتاب اليمنيون المشهود لهم بالصدق والنزاهة إلا أن ردة الفعل كانت مفاجئة بالنسبة لي، إذ وصل الأمر إلى المطالبة بتوقيفي والتحقيق معي، فقط لأني أردت الترجمة الفعلية لما ورد في خطاب سيد الثورة بمناسبة المولد النبوي الشريف، ومن قبله خطابه بمناسبة اختتام الدورات الصيفية في العام الماضي، وقد أكد خلالهما السيد القائد رعاه الله ضرورة تنقية التراث والفكر من الزيف والثقافات المغلوطة، وكذلك ضرورة التصدي للعقائد الباطلة ومحاربة الشبهات، وعندها تحركت في كشف الباطل الذي يقف الزبيري فيه كرأس هرم يجب هدمه، لكن جاء الناتج عكسياً تماماً، ولو أني تحدثت عن هامة من هامات 21 أيلول هذه الثورة العظيمة لما جوبهت بمثل هذه الصورة الحازمة والجازمة التي فزت غيرة واستشاطت غضباً لأن ثمة فأساً ابراهيمياً هوت به ثورة الشعب على رأس الزبيري كبير الخونة والمرتزقة وأمير التشكيلة الأولى في استهداف اليمن الأرض والإنسان. لا أظن أن هذا الأمر رغم احتوائه مدلولات توحي بالدهشة والاستغراب يمثل شيئاً أمام الكارثة الأدهى والأمر التي أجدها في منبري الإذاعي كمذيع ومن خلال إذاعة 21 سبتمبر التي تختص بالجيش واللجان الشعبية وتعنى بالقيام وبشكل مباشر بدور تثقيفي وتوجيهي للمجاهدين وتواكب حركتهم، وهذا التوجه غني بكل ما تحمله الكلمة من معنى إذا تُرك للعاملين المجال للنهوض بمثل هذا العمل، لكن ما باليد حيلة، فقد وصل الحال بصوت الجيش واللجان الشعبية أن يكون عبارة عن (إم بي ثري)، لأن المعني بأمرها يرى تقديم «هدى الله» بقوالب جديدة وبصور مختلفة وأشكال متنوعة من الأمور المنافية للفطرة والحائدة عن جادة الصواب، وعليه بحسب تفكير عاليي الجناب وأصحاب السابقة الجهادية يجب اقتصار دور إذاعة لديها قرابة 20 محطة تقوية على الشيء المتعلق بالحماس المشحون بعاطفة الانفعال والمنحصر على النظر لكل ما هو آني ولحظي فقط. حتى تلك الموجهات الثمانية التي لو سُمح لنا كعاملين وبعد سماعها من سيد الثورة ترجمتها عملياً لكان لها الأثر الكبير والفعال على كل المستويات، لكن حتى هي لا يراد ترجمتها في خارطة برامجية تحيط بكل مناحيها وتنهض بها كما يجب، كونها رؤية القيادة، وهي كذلك معالجة شاملة لكل الواقع الجهادي وكل ما يتصل به... لكن جاءت القرارات بعكسها: إلغاء الكثير من البرامج دون سبب، تقليص وقت برنامج «مغازي الليل» من ساعتين إلى ساعة بدون مبرر!! ومن المضحك المبكي في آن واحد أن يقال لإذاعة تابعة لوزارة الدفاع: ممنوع عليكِ يا صوت الجيش واللجان تسمية نشرة الأخبار بالنشرة العسكرية! وكم...!! وكم...!! وليس لي في الأخير إلا التمثل بهذين البيتين للإمام الحسن السبط عليه السلام وقد تمثل بهما الحلاج (رحمه الله) من قبلي، وإني واجدٌ فيهما أحمال ما لا طاقة لأحد بتفصيله:
عندي كلامٌ كثيرٌ لو أبوح به 
لقيل لي أنت ممَّن يعبد الوثن 
ولاستباح رجال مخلصون دمي 
وكان أقبح ما يأتونه حسنا

أترك تعليقاً

التعليقات