أولى معالم البشارة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ليس من السهولة بمكان القيام برفع كل هذا الركام، والتخلص من كل هذه المخلفات الناتجة عما خلفته الحرب المنوفيزية الثالوثية على اليمن الأرض والإنسان والهوية والرصيد الحضاري والتاريخي، إذ يصعب عليك اليوم كباحث إقناع اليمانيين بأن كل ما تتناولونه دراسةً وبحثاً، باعتباره تاريخاً لكم، منذ أن بعث الله عيسى بن مريم، وحتى زمن مولد البشارة التي بشر بها، وهو خاتم رسل الله وأنبيائه محمد، صلوات الله عليهم أجمعين؛ ليس تاريخكم، وإنما هو الركام الهائل الذي خلفته الحروب البيزنطية الحبشية الأموية المخزومية وكل عبدة الثالوث. وهم وإن فشلوا في ميادين القتال، عن إخضاعكم بالمطلق، وفرض عبادة الثالوث عليكم، أو المذهب المنوفيزي، فقد نجحوا بالالتفاف عليكم من زاوية أخرى. ومن وجهة نظرهم، هذا يكفي للتعويض عن كل نكساتهم، إذ برغم كل ما فعلوه بكم، ما ازددتم إلا قوة وإرادة وتصميما على دحرهم، فما إن أخمدوا ثورة يوسف أسأر، ونصبوا سميفع الخائن ملكاً، وقاموا بوصم علامة الصليب على كل مَن لم تنله سيوفهم، وفرضوا عقيدتهم ومذهبهم رسمياً، وظنوا أن هذا المقام سيطول بهم، في التلذذ بنشوة النصر، حتى برز لهم الملك أبرهة زيبمان الحميري، كقائد من أرومة اليمانيين أنفسهم، وسليل أسرة الملك بين ظهرانيهم، فسلبهم تلك النشوة، وجعل تلك الأعوام الأحد عشر التي ظنوها زمن الزراعة لما سيحصدونه غداً مقدمة للجحيم الذي قضى عليهم.
وإذن كان لا بد من إسقاطكم تاريخياً، وإظهار رموزكم بمظهر مقزز، وجعل قادتكم عبيدا وشذاذ آفاق، وشخصيات معجونة بالكفر والإجرام والتوحش، والنيل من كل مقدس! وقد نجحوا في ذلك.
هذا ما حصل. ولأننا نجد في دراسة نشوان دماج (الرحمن اللغز الأكبر) نافذةً نستطيع من خلالها الوصول إلى حقيقة تاريخنا، برغم وجود كل هذه المخلفات التي تكدست في الذهنية الجمعية؛ نرى أنه من الواجب الانتصار لهذه الحقيقة، وذلك ليس بدافع القومية، والعصبية، ولو فعلنا ذلك لجاز لنا الأمر، ولكن لا؛ بل إن كل ما قدمته هذه الدراسة كان بدافع الانتصار لله الرحمن، والانتصار لمحمد ورسالته، والبيئة الحاضنة له، والقائمة بنصرته، ونشر دعوته. لذلك نصر على الإضاءة عليها، والتعريف بمحتواها، عسى أن يتحرك هذا الماء الراكد، ونخرج من صندوق سرجون ومعاوية.
إن الانتصار لأبرهة الحميري، هو انتصار للرسالة المحمدية. وعليه؛ لزم الهدم لكل تلك المسلمات الباطلة، والدحض لكل روايات بيزنطة، والبيان لحقيقة باحثينا، الذين لم يكن لهم من اسمهم نصيب، إذ كانوا مجرد حاطبي ليل، وعالة على الروايات السريانية، وضحية من ضحايا مؤرخي المنوفيزية، ولم يصنعوا شيئاً سوى أن زادونا جهلاً إلى جهلنا.
فقولوا لهم: إن مَن قدمتموه كعبد أشرم حبشي نزا على الملك، وادعيتم سعيه لهدم الكعبة نزولاً عند رغبة روما، هو: الثائر أبرهة بن الصباح القيل بن شرحبيل بن لهيعة بن مرثد الخير بن ينكف ينوف بن شرحبيل شيبة الحمد بن معدي كرب بن مصبح بن عمرو بن الحارث ذي أصبح بن مالك بن زيد بن قيس بن صيفي بن حمير. الذي أعاد للوحدانية روحها، وعزل المنصب من قبل ملك أكسوم، وتم على يده استقلال اليمن، وبه دفع الله كل ما قد كان ألم بالموحدين من رزايا بفعل المنوفيزية، فجاء المباركون من كل فج، ولاحت أولى معالم البشارة بمقدم النور المحمدي.

أترك تعليقاً

التعليقات