لا تصدقوا المأزومين
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يحاول البعض أن يجعل من تقصير الأفراد المحسوبين على الإسلام، أو الجماعات: حجةً على الدين نفسه، وهذا قمة الظلم والإجحاف، إذ الأصل أن يكون الإسلام حجةً على أتباعه، والعاملين بمقتضاه، لا العكس، ولكنها النظرة القاصرة، والأحكام الجاهزة، التي لا تستند إلى دليل، ولا تقوم على برهان، وإنما يكتفي أصحابها بإطلاقها جزافاً، رغبةً في التعبير عن ذواتهم الانهزامية، والمحطمة من الداخل، وأملاً في جر المسلمين إلى مربعهم، الذي ظلوا فيه مكبلين بثقافة الآخر المعتدي، لاهثين وراء ما يلقيه لهم بين الفينة والأخرى من نظريات ونظم وقوانين، جعلتهم يعتقدون نتيجة ما يعانونه من انقطاع وبعد عن تعاليم الله، وتخبط وضياع وأزمات في واقعهم الحياتي العام: أن لا خلاص ولا نجاة لهم مما هم فيه إلا باتباع تلك الثقافات والنظريات والنظم والقوانين.
نحن لا ننكر أن الكثير من الجماعات الإسلامية فشلت في تقديم الإسلام النموذج، الذي باستطاعته أن يبني شخصية أتباعه، ويقود حياتهم كلها، ولكن ليست الصورة بتلك القتامة والسوداوية التي لايزال هناك مَن يصر على تعميمها على واقعنا الإسلامي برمته، جاعلاً أتباع الإسلام الأمريكي، وأتباع الإسلام الإلهي في سلةٍ واحدة، ولو أن هؤلاء أمعنوا النظر في مَن وما حولهم لوجدوا أن ثمة أكثر من نافذةٍ يتسلل من خلالها الضوء الحامل لبشارة انبلاج فجر الإسلام الأصيل، واقتراب إشراقة شمسه التي ستشمل بنورها الكون كله، وعما قريب.
نعم قد يبتلى المنهج الحق بوجود أشخاص وفئات سرعان ما يتنكرون لوعودهم وعهودهم التي قطعوها سابقاً، ويتجهون لفعل ما هو أسوأ بكثير من الأشياء التي كان يفعلها حكام الجور والطاغوت، ويقومون بتكرار جميع ممارسات وأساليب أنظمة الوصاية والتبعية التي ثاروا عليها، لكن هؤلاء سواءً كانوا أفرادا معينين، أو أصبحوا تكتلات وجماعات وعصابات وفرقا مصلحية، يجمعها هدف التخريب من الداخل، لن يكونوا يوماً القضاء والقدر الذي يفرض على الحق وأهله بحيث لا يمكن تجاوزه، أو تغييره، أو التخلص منه، إذ المسألة ببساطة شديدة: مسألة اختبار وابتلاء وتمحيص للقلة الواعية الصادقة في إيمانها، والمخلصة في توجهها، هل ستقوم بدورها كاملاً غير منقوص، أم ستظل قابضة على يدها، ممسكة لسانها، لا تعمل بالمعروف، ولا ترشد إليه، ولا تحارب المنكر، ولا تحث على اجتنابه؟ فالحق لم ينتصر عبر التاريخ إلا بالقلة الواعية المنظمة الثابتة، المنطلقة من منطلق الثقة بالله، المستعينة به في كل الأحوال، الطالوتية في صبرها والتزامها، الجاعلة تقوى الله نصب عينيها.
ولا تصدقوا مَن يقول لكم إن الساحة خالية تماماً من الفرق والجماعات والحركات الإسلامية النموذجية، لأن هكذا قول ليس له أساس من الصحة، وقد استفزني قول أحد الكتاب الإعزاء «إن هناك توجها داخل الجمهورية الإسلامية في إيران، لمنع محاضرات وخطابات ومؤلفات الإمام روح الله الخميني، رضوان الله عليه، بل ومعاقبة كل مَن يقوم بنشرها»، ولا أدري من أين جاء بهذا الخبر الذي اعتبره دليلا على فشل الثورة الإسلامية، التي لا تريد لجماهير الشعب الإيراني حسب زعمه أن يكتشف مدى التنكر لوعود القائد، من قبل النظام الحالي، وحجم الهوة والخلاف بين القائد الباني والمؤسس لإيران الإسلام، وبين خلفه؟
وهذا كله طبعاً، افتراء وجهل دونما ريب، فها أنذا أمتلك 150 كتاباً للإمام الخميني رضوان الله عليه، معظم هذه الكتب دراسات وأبحاث في فكره ومنهجه، ولم تغفل عن أي جزئية من جزئيات حياته، أو تتخط أي جانب من جوانب حياته، فأنت واجدٌ مثلاً التربية والمجتمع في فكر الإمام الخميني، والفن في فكر الإمام الخميني، والمرأة في فكر الإمام، والشباب، وخدمة الناس لديه، والشهيد والشهادة، والحكومة الإسلامية، والحرية، والاستكبار، وفلسطين، والقدس، والحج، وعاشوراء، وغيرها الكثير من الدرر والنفائس، بل لقد أنشأت الثورة الإسلامية مراكز ومؤسسات تعنى بدراسة وبحث جميع ما خلفه الإمام من تراث فكري وإنساني وديني وأدبي، هذه المؤسسات والمراكز لا يكاد يمر عليها شهر من الشهور إلا وتخرج للقراء ببحث أو دراسة جديدة، فلماذا كل هذا الظلم والتجني؟

أترك تعليقاً

التعليقات