لماذا نحتاج لهكذا رجال؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
النقلة النوعية للمجتمع من وضعيةٍ مترديةٍ مزريةٍ بائسةٍ، يملؤها الشر، ويفتك بها الفساد والظلم والجهل، إلى وضعيةٍ سليمةٍ ناميةٍ منتجةٍ قويةٍ متماسكةٍ، يملؤها الخير، ويعمها الصلاح والعدل، ويسودها التعاون والتراحم والإحسان والمحبة والأمان، وتحكمها التقوى، وتضبط السير لكافة خطوطها وخطواتها الاستقامة على الحق، بحاجة إلى رجالٍ حقيقيين، يتنفسون الهدى، ويعيشون الرسالة هماً باحثاً عن سبل تثبيت قواعدها في الواقع، وانطلاقةً حيةً لتعميم مفاهيمها ونظمها وقوانينها في الحياة كلها، ووعياً فكرياً لكل مفرداتها، واستجابةً عمليةً لكل نداءاتها، فهي الانعكاس لما يتحركون به من ثقافة وفن وأدب وفكر، وهي المعنى الذي يتضح للناظر من خلال ما يجده لديهم من إرادة وعزم وطموح وصبر، وسلوك أخلاقي قويم، وحكمة وسماحة مقرونتان بالحزم والجدية في التعامل مع كل ما يواجهونه من مشكلات وقضايا وعقبات وتحديات من حولهم، فينجذب إليهم الناس بفكرهم وقلوبهم وأجسادهم، ويتحملون معهم مسؤولية بقاء الهدى، وتقوية مواقع الحق، وتوسعة مجالات نفوذه وتأثيراته وأدواره في جميع نواحي الوجود.
وهؤلاء الرجال الحقيقيون الذين تحتاجهم المجتمعات التواقة للبناء والإصلاح، المتعطشة للعدالة، والعيش الكريم، لا تأتي بهم الصدفة، ولا يصعد بهم إلى معترك الحياة الحظ، ولا يحتويهم زمان معين دون زمان، فنظل في سكونٍ حالمٍ مقرونٍ بالأمل الكاذب في الخلاص، فور مجيئهم، وحصول موعدهم الزمني، كما لا يحتويهم مكان بعينه، وما علينا إلا الهجرة إليه، كي نلتحق بهم، وننضم إلى جبهتهم، ونحمل دعوتهم ومنهجهم، ونتحرك بحركتهم، وإنما هم نتاج مرحلتهم التي يعيشونها، وبذرة موطنهم الذي يستقرون على ترابه، ويستظلون سماءه، كان إحساسهم بمعاناة الناس، وشدة ضياعهم واغترابهم، وطبيعة ما وصل بهم إليه الحال من هوان وضعف وفساد، وانعدام الوزن، واتساع دائرة اليأس من حدوث التغيير: دافعهم للحركة العملية، ومصدرهم الذي يستمدون منه الإرادة في فعل أي شيء من أجل الخروج من كل هذه الأنفاق المظلمة المميتة، وكانت الشريعة التي يحملونها كعقيدةٍ وثقافة ونهج تربوي، ونظام للحياة: ملاذهم الآمن الذي يلجؤون إليه لتقديم تفسير حقيقي للواقع الذي هم فيه، ومدهم بكل ما يحتاجونه من آليات وأدوات ومعايير وحلول ومعالجات وخطوط وتعاليم وقوى وأفكار، ومعانٍ روحية لا بد من توفرها لكي يتمكنوا من تحقيق مرادهم بالإصلاح والتغيير، والمعالجة والبناء والتنمية وتحقيق السعادة والرفاه والسلامة من كل شر وخبث وسوء وداء، على الصعيد الفردي، والاجتماعي.

إن هؤلاء الرجال لا يخبو حماسهم، ويتبدد عزمهم، ويتسلل اليأس إليهم، في منتصف الطريق، فور ما يرون انحرافا هنا، وتخبطا وضلالا وفسادا وظلما وبغيا هناك، جاء نتيجة ركوب الانتهازيين للموجة، أو اغترار بعض المحسوبين على الهدى بما تحقق لهم، وانخداعهم بما وقع تحت أيديهـــم، وإنمــا يظلـــون بـــــذات الـــروحــــيــــــة والموقف والقوة والرغبة والاندفاع والفاعلية التي كانوا عليها أول مرة، وقامت عليها خطواتهم المتقدمة، وكلما مسهم طائف من الشيطان، أو تجلى لهم شبح من ظلام المرارة والفشل والخيبة، وداهمهم شيء من خيبة الظن، واجهوا ذلك بصبر، وتغلبوا عليه بالإنابة والرجوع إلى الله، متخذين من سيرة الأنبياء والرسل القرآنية وسيلةً تربويةً، وزاداً فكرياً، ومنطلقاً للعمل من موقع الاقتداء والاهتداء والاتباع والمسارعة، والتزام المبادرة والسبق في تقديم النموذج الإيماني على كل صعيد.
إن عبوديتهم لله هي التي حررتهم من الاحتياج للناس، وحررتهم من التوجه لإرضاء أحد سواه، وجعلتهم منقطعين إليه، يتفكرون في آياته، وينشدون لطفه ورحماته ورضاه فقط، وهم مَن يحرصون على توفر عنصرين لازمين في إنجاح عملهم، هما: الوعي والإدراك ودقة التشخيص للوضعية التي يعيشها الناس، وحسن الأداء للمسؤولية الملقاة على عواتقهم، فبهذين العنصرين يتحقق لهم العلم والقدرة اللذان يمكنانهم من تحقيق أهدافهم، فلا تمكين إلا بيد قوية، ولا قوة تظل طاهرة نقية خادمة للحق، إلا تلك التي تتحرك على أساس من العقل والحكمة والرشد، وتلك هي أداة الإنجاز لأي عمل، أياً كان.

أترك تعليقاً

التعليقات