رماد حرف
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -

ما جدوى ارتعاشة القلم إذا لم تكن امتداداً لخطوات تسير واثقة نحو الغد، ملقيةً زمام قيادها لريح الأمل، واصلةً درجةَ التحامها بالمسحوقين حد اندماجها بهم، فتشكل من أمنياتهم مياسر لكل عسر قطع خط سيرها، ومن أناتهم أنهار عطاء يستحيل جفافها، ويصعب الحد من نطاق حركتها، على وقع مدامعهم تنبعث نسائم سحَرِ صبرهم الفاتح في وجوههم آفاق فجر الانعتاق من عسف كل ظلمة، ومن تلويح وجوههم الشاحبة يكتسب الصبح رونقه وجماله؟! كيف لا وهم مَن أقاموه في دواخل أنفسهم قبل مقامه في أرضهم، وأسكنوه كيانهم قبل أن يحل على كونهم؟! نعم لقد سبقوا هذا الصبح بخطوات في مطاردة ظلام الليل الدامس، وعندما آن أوان انبثاقه خرج من أفواههم متخذاً من مهاجلهم ملامح جسده ومن عرقهم رذاذ نداه.
إنهم السواد الأعظم لكل نهضة، والسواعد الأقدر في حماية الثورة، والحصن الحصين في الدفاع عنها.
عرفناهم في زمن التمهيد لثورة الـ21 من أيلول المجيد، وهم يتدفقون سيولاً بشرية إلى ساحة المطار وبقية الساحات، متجاوزين مع قائدهم وحكمته سماك السماوات، مادين للأرض سبل استدامتها كمستقر للحياة والأحياء، وتمت بهم الثورة المباركة واستمرت بهم، لأنهم قوام القاعدة الأكبر التي دافعت عنها ولا تزال على امتداد زمن العدوان الأمريكي و"الصهيوسعودي" على بلادنا.
وليس غريباً عليهم ذلك، لأن صحة كل نهج وسلامة ومصداقية ونقاء كل نهضة تغييرية أو ثورة تحررية متوقفة على مقدار ما تبديه هذه الثورة أو تلك من انحياز لتلك الأسمال البالية، والأثواب المقطعة، والوجوه السمراء، والأيادي الخشنة، لأن هذه سمات ومميزات أتباع الرسل والأنبياء (عليهم السلام) عبر التاريخ الذين شكلوا مشاعل هداية، وكانوا حملة التوحيد، ورواد البناء.
ولعل المتتبع لحركة الرسل في القرآن يجد أن الفقراء هم النواة الأولى في إيجاد مجتمع التوحيد والقوة الفاعلة في إرساء العدل، وإزاحة الظلم، ولم يتوقف القرآن عند بيان دور الفقراء والمستضعفين في حمل الرسالة وتبليغها ومواجهة التحديات التي تهدد وجودها، بل توجه بالأمر والتوجيه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن ينحاز إليهم، ويصبر نفسه معهم، ولا يستبدل بهم سواهم من الغارقين في الترف، الرافلين بزينة الدنيا المشدوهين بزخرفها، العابدين لهوى أنفسهم، الناحرين لإنسانيتهم في سبيل إشباع شهواتهم وإطفاء نار غرائزهم. ألم يقل عز من قائل سبحانه: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا".
وهذا المسار الذي يجب إحياؤه في واقعنا كضرورة وجودية تقتضيها طبيعة التحديات وكعنصر هام لدوام السير في خط الاستقامة والإيمان، لعدة أسباب، منها:
أولاً: لأن الفقراء لديهم دوافع وطموحات تلتقي مع أهداف وغايات الثورة، نتيجة لما لاقوه سابقا من ظلم وبغي.
ثانياً: إن الفقراء والمستضعفين هم الذين يستطيعون الوقوف في وجه المستكبرين والفراعنة، مهما كانت الضغوط، لأنهم ليس لديهم تعلق ولا حب لمال أو جاه يمكن تخويفهم به وبالتالي احتواء ثورتهم.
ثالثاً: إن المعدمين لديهم قابلية لحمل الحق ودفع ضريبة التمسك به، وذلك نتيجة سلامة فطرتهم التي لم تمس بما يفسدها.
وهنا نقف مولين كشف جمر غضب تلظى ما بين الجوانح إلى مساحة قادمة تبدي احتراقنا لكل ذي عينين دون تخفٍّ تحت رماد حرف.

أترك تعليقاً

التعليقات