شبه ميت، ونصف قتيل
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
عذراً أيتها الروح الممزقة بين جنبي ذاتٍ توشكُ على الانطفاء، بعد أنْ سرق منها الزمن مسخرة أحلامها التي دونتها في رحلة السير نحو الغد، واتخذتها ملاذاً تلجأ إليه؛ أملاً بتبديد ظلمة، أو فراراً من كثرة الآلام والمآسي، أو تأكيداً لأهداف ومبادئ الرحلة، ورغبةً بالبقاء على المسلك المختار بوعي، مهما كانت التضحيات! لأن المنطلق قائمٌ على أساس عقائدي، ترخص في سبيله الدماء والأرواح، بل يستطاب بذلها ما دامت وسيلةً لإيصال الحياة إلى بقية الذوات الهامدة.
عذراً؛ لأن اتساع آفاقك لم يسعفني لكي ألتقط أنفاسي، ولأن المدى الرحب الذي أسكنتني فيه ضاق بوجودي.
عذراً؛ لأن كل ما تجودين به من البوح لم يلقَ سوى كثبان رملية لكي تستقبله، فاغرةً فاها لالتهامه، إلى الحد الذي لم يبقِ له أثر.
تقولين لي: اصرخ؛ تكلم؛ نادِ. فعلت؛ فأجابني الصدى من فرط اتساع دوائر الفراغ التي تحيط بي.
تقولين لي: اكتبْ. كتبت، كتبت؛ ولكنها الرمال يا عزيزتي؛ ألم أقل لك: لقد تكفلت بمحو كل شيء؟
تقولين: هذا هراء؛ وهل تستطيع رمالك هذه القضاء على المداد؟
نعم، استطاعت. ثم مَن قال لك إني اكتفيت بالمداد؟ لا؛ أنا كتبت وأكتب بالدم.
مع هذا يُباد حرفك؟
يوشك على الوصول إلى ذلك؛ لكن اطمئني: ربما استعار الغد منه حمرته؛ لتمهيد طريق انبعاث فجره.
ماذا دهاك؛ وأنت ابن الإصرار، والمعروف عنك عدم الاستسلام؟
أنا لم أقلْ لكِ: إني انهزمت، أو استسلمت؛ كل ما في الأمر؛ أنني أحس بقرب موعد انطفائي؛ وأرى أنني لم أعطِ ذاك الحلم حقه؛ ولم أبلغ منتهى الشوط؛ كي ألمس تلك الثمر، التي ناجتها أشواق فؤادي؛ ومنحتني الأمل باقتراب زمن الوصول إلى الشاطئ الآخر: شط النجاة، الذي لم يكن بعده سوى جنة الثورة: جنةٌ سقتها دموعهم ودماؤهم؛ فما أعظمها من جنة!
تقولين: كفاك تهرباً، فمنذ متى كنت سجين الخوف؛ محباً للتبريرات اللا منطقية؟
أنا لست خواراً، وتعرفين ذلك؛ ولن أصاحب التبرير للعجز أبداً.
إنما أرجوك: ألا يقصف العمر؛ حينما يصبح المعتقل حصراً لاستقبال الناصح الأمين؛ في الوقت الذي يُقابل الخائن القاتل العميل المرتزق بالعفو والصفح والمحبة، ويكون له علو الدرجة وعظيم المنزلة؟
أليس الموت أهون على كل حر؛ عندما يجد مظلوماً تقطعت به السبل المؤدية إلى إنصافه؛ في وطن اسمه يمن الإيمان، ويرى حراً يُقاد كالمجرمين إلى غياهب السجن؛ لا لشيء إلا لأنه كان حريصاً على الدولة، متولياً للقيادة، منتمياً لمسيرة وثورة شعب؟
لهذا قلت لك: أحس اقتراب لحظة الانطفاء. وإنْ أردتِ الحقيقة: ثمة أشياء كثيرة ماتت بداخلي، فأنا شبه ميت، ونصف قتيل؛ قتله صوت (شرف حجر) حين ينادي ولا مجيب؛ وقلم (خالد العراسي) حين يعتقل لثوريته وإمعانه في إسداء النصح، وتقديمه لحلول ومعالجات نحن أحوج ما نكون للأخذ بها.
تصدقين؟ لقد صارت الوطنية جريمة!

أترك تعليقاً

التعليقات