الخاسرون أبداً
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في مخالطتك للناس ومعايشتك للوقائع والأحداث تجد العجب العجاب، فأنت ملاقٍ مثلاً صنفاً من الناس ليس مستعداً لقول الحق إلا حينما يطمئن تماماً أنه لن يلحق به جراء قوله ذاك أي مخاطر، وقد شهدت مؤخراً أكثر من مثال حي لضعفاء النفوس، الذين يضعون مصالحهم فوق كل اعتبار، فالباطل يظل حقاً بمنظورهم ما لم يصابوا بمكروه، أو يلحق بهم عناء.
إن مذهب هؤلاء في الحياة قائمٌ على أساس إعظامهم لأنفسهم وتقديم مصالحهم على مصالح مجتمعهم وأبناء دينهم وجلدتهم، فلا مانع أن يروا غيرهم يتجرع الذلة والهوان، ويقاسي الظلم والعسف والجور، لأن ذلك لا يعنيهم ولا علاقة لهم به، ولكن ما هي إلا أيام أو أشهر حتى تصل النار التي تغاضوا عنها وهي تلظي سواهم، إلى عقر دورهم، وتنال من أطراف ثيابهم، عندها فقط يستيقظون من غفلتهم ويرجعون عن غيهم، وبالتالي يطلقون العنان لأقلامهم، ويحلون عقال ألسنتهم، ولكنهم حتى في هذه ليسوا صادقين، لأنهم لا ينفكون عن حساب الربح والخسارة أولاً وأخيراً، فالتضحية قيمةً وموقفاً ليس لها وجودٌ يذكر في قواميسهم مطلقاً، الأمر الذي يجعلهم يسعون إلى البحث عن البدائل التي تؤمن لهم أرزاقهم وتضمن لهم دخلاً ثابتاً قبل أن يفكروا مجرد تفكيرٍ فقط بانتقاد المؤسسة أو الجهة التي يعملون بها، حتى وإن بلغ بهم الحال الحد الذي لا طاقة لهم باحتماله، لكونهم مزودين بجلود الحيّات ومدعمين بقدرة الحمير على تحمل المشاق وتلقي الإهانة.
وما يدفعك للضحك حد الجنون هو الجواب الذي يبتدرونك به كلما سألتهم: لماذا لم نشهد لكم موقفاً في مواجهة الباطل والفساد وفضح المتورطين فيه، لاسيما وأنتم على اطلاع كامل بكل تفاصيله ومراميه ومخرجاته؟ فيجيبون عليك بالقول: كل شيء يحتمل إلا أن نرى القائمين على الجهة أو المؤسسة يتعدون على كرامة موظفيهم ويتعرضون لهم بالسباب والشتائم، وهنا لا أملك إلا أن أطلق قهقهةً يسمع بها كل سكان العاصمة، لأني على علم بمواقف وقضايا سكت عنها هؤلاء وهي أشد وأقوى بكثير من تلك التي يحتجون بها ويعتبرونها القشة التي قصمت ظهر البعير.
ولا يقفون بك عند التبرير السابق، وإنما يضيفون إليه تبريراً آخر، وهو قولهم: «إننا لم نشأ أن نتحدث عن ذلك خشية أن نقدم للعدو مادة يستفيد منها في تشويهنا».
يا سلام عليكم، ما أشد حرصكم على مجتمعكم! إن الحديث حول الحق وقضايا العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقبل المداهنة والمجاملة، ولا يخالط الدبلوماسية ويستعمل الألفاظ الغائمة والكلمات ذات المعاني الضبابية، لأن المجاملة والدبلوماسية في هذا الموضع خيانة للحق، باعتبار الحق قيمة وموقفاً يجب التعبير عنه بالكلمات الواضحة والعبارات البينة التي لا تترك ثغرة في مواجهة باطل أو الدفاع عن حق.
لقد حول هؤلاء القلم الذي يكتبون به إلى لعنة ستلاحقهم في دنياهم وآخرتهم، وهم الخاسرون أبداً مهما تبدى لهم أنهم يتقلبون على بساط الأرباح.

أترك تعليقاً

التعليقات