أن تجد نفسك في هكذا موقف
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
فجأة تجد نفسك في مكان ما، وسرعان ما تسأل نفسك ما الذي جاب أفكاري إلى هنا. ذات مرة وجدت نفسي في مكان لأصلح بين صديقين مختلفين، لكني بالأخير عدنا أنا وأحدهما خصمين للصديق الآخر.
مرة أخرى وجدت نفسي مخزن مقابل رجل ستيني استمر يكيل لي المديح ومشاعر الاحترام طوال القيلة، وبعد ساعتين مدح نضال وكرم الوالد، وبعد أن أوضحت له أنني لست ابن الشخص الذي يقصده، وأكدت له أن ما قاله عن الشخص الذي يعرفه ويقصده هو أيضا ينطبق على والدي تماماً، لكن الرجل الستيني وبعد أن عرف مباشرة أنني لست ابن من يقصده بالمدح قام انتزع مني كل المدائح التي قالها واعتذر لي وكأنه كان شتمنا...
أيضا ذات مرة وجدت نفسي مهندسا مدنيا ومشرفا على مدرسة في قاع البون وبقيت أشخط وأنخط على المقاول وعماله وأطلب منهم إضافة كمية كبيرة من الأسمنت للنيسة بحكم أني مهندس فاهم وخبير تخرج من دولة أوروبية انشقت عن الاتحاد السوفيتي سابقا.. صباح اليوم التالي وجدت نفسي أمام صبة متشققة، وسألني المقاول بسخرية: هيا وكيف يا خريج مدري وين؟! وقمنا أنا وهو  بإعادة الصبة مرة أخرى.
ذات مرة وجدت نفسي واقف وسط محكمة بالحصبة. وكنت مع ابن عمتي وأمه التي تريد أن تذهب تعتمر بمكة بموافقة زوجها الذي كان مايزال عائش بعيد عن العمة ومتزوجا امرأة أخرى، ولم تطلب منه الموافقة، لأنه سيرفض ذهابها بكل الحالات. وعمتي بقيت عالقة لا مطلقة ولا مزوجة، وهو منقطع عنها منذ سنوات لا حس ولا خبر. لذلك العمة أحضرتنا أنا وابنها للمحكمة لأجل نشهد أن زوجها متوفي. قاضي المحكمة طلب من ابنها أن يشهد في الأول واكتفى بشهادة الابن عن والده وأنه متوفي واستغنى عن شهادتي، وقلت حينها: الحمد لله أني ما شهدت. وبالأخير العمة ما عاد اعتمرت وزجها توفي بعد سنوات.
ذات مرة حضرت عرس عبدالكريم الشرعبي لكني غلطت وذهبت أخزن بقاعة أخرى فيها عرس آخر لعريس ثاني، طبعا عرس عبدالكريم كان بقاعة الجامعة، وأنا ذهبت وخزنت بقاعة بلقيس، وجلست للعصر أنتظر أي واحد معروف ولا عرفت أحد. آخر شيء سألت الذي مخزن جنبي: هذا عرس عبدالكريم الشرعبي. قال لي: عبدالكريم من؟! هذا عرس مدري من ما عاد أذكر اسمه. والمصيبة الثانية أن بقية كروت الدعوات حق العريس عبدالكريم الذي أعطانا هي عشان أوزعهن للأصدقاء كانت معي بالقطمة. ضحكت على نفسي وخرجت مسرعا أتصل من كابينة بأوراس الإرياني.. ألو أوراس وين القاعة؟! استغرب وقال: ما لك مش عارف الدعوات معك بقاعة الجامعة.
ليس هذا فقط. ذات مرة وجدت نفسي معزوم عند صديق بتعز كان هو الآخر أيضا معزوم عند صديقه، تغدينا وذهبنا الاثنين نخزن بمقيال صديقه الذي كان مليئا بمخزنين، نصفهم بصف المحور التابع لمليشيات الإخوان، والنصف الآخر بصف عدنان الحمادي، وصلت وقد نشب خلاف بينهم. بقيت أسمعهم بإنصات وحياد وهم يتبادلون التهم والعمالة لقطر والإمارات. كنت خائف أنهم يعرفون موقفي المناهض لهم ككل وضد مشروعهم القذر.
الحمد لله مضت القيلة حتى المنتصف وهم لا يعرفون عني وقد دخلت بينهم كمصلح وأحاول تهدئة النقاش الحاد فيما بينهم، وأتذكر كنت أقول بلؤم: هيا وكيف عادكم يا سعم بتواجهوا «الحوثيين» وأنتم هكذا مختلفين وتعادوا بعضكم. لكنهم انتقلوا إلى رمي التهم لبعضهم وكل منهم يقول للآخر: أنتم تخدمون «مشروع الحوثي».
وجدت نفسي في مأزق آخر، وقلت ما الذي جاب أفكاري إلى بين هؤلاء المرتزقة الأوباش الدنق. وصل رفيق يعرفني كثيرا وسلم علي بحفاوة وسألني: ما الذي جاب أفكارك إلى هنا يا جني؟! قلت له: والله ما لي علم.. ودافة وحملت قلافدي وغادرت.
أن نجد أنفسنا في أماكن كهذه، أهون من أن نجد أنفسنا بصف عدو أجنبي أو بصف الصهيوني وتحارب معه بلدك وضد شعبك وتروح ضحية الزلط والعمالة والارتزاق.

أترك تعليقاً

التعليقات