بين صفقات ترامب وعرب الصفعات!
 

مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
أهم المفكرين والمحللين كأنما أجمعوا على نقطتين:
الأولى: استحالة أن يصل العالم إلى حرب عالمية ثالثة في ظل انتشار وتراكم أسلحة الدمار الشامل.
الثانية وهي مرتبطة بالأولى: أنه لا بد من اصطدام بين القوى العالمية المتصارعة، وهذا الاصطدام سيجبرها على السير إلى طاولة تفاوض في ظل استبعاد خيار حرب عالمية.
المفكر العربي محمد حسنين هيكل، رحمه الله، توقع وقبل سنوات أن العالم سيسير في نهاية المطاف إلى ما سماها «سايكس بيكو 2».
في إطار هذا الاستقراء والتحليلات فكأن العالم لم يعد سوى اصطدام يدفع لتفاوض بوصل المعنون من هيكل «سايكس بيكو 2»، وهيكل يتكلم عن تشابه ومضمون مهما جيء له بعنوان ومهما تغيرت أطراف وقوى الاتفاق المحتمل مقارنة بأطراف «سايكس بيكو 1».
هنا قد نسأل: هل شرط الاصطدام ضروري للتفاوض، أو ليس كل ما جرى ويجري من صراعات وحروب بات في آثاره وتأثيره أكبر من الحاجــة لاصطـــدام متوقّع كفرضية أو المفترض؟
أساس الصراع هو أن قوى عالمية وقوى صاعدة ترفض استمرار الهيمنة الأمريكية على الطريقة التي فرضتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فيما ظلت متشبثة ومتمسكة بها.
ولهذا جيء بترامب في الدورة الأولى ليحارب الصين تجارياً واقتصادياً بالأساس وربطاً بذلك سياسياً، ويبدو أنه فشل، فجيء ببايدن ليمارس حرباً عسكرية مباشرة وغير مباشرة عبر أوكرانيا في أوروبا، ويبدو أنه فشل، ففي حروب بهذه الصورة يعتبر فشل الطرف الذي أشعل الحرب انتصاراً للآخر، ولا يتحقق فيها النصر المطلق الذي يؤسس لفرض التغيير والمتغيّر العالمي كما ما بعد انهيار السوفييت.
هذا يدفع للتساؤل عن مجيء ترامب ثانية للبيت الأبيض، وهل يراد منه التفاوض وفق ما عُرف عنه «رجل صفقات»؟!
كون ترامب يطرح فكرة انتخابات في أوكرانيا فهو يتوافق مع روسيا في انتهاء مشروعية رئيس أوكرانيا (زيلنسكي)، كما هو يسير كذلك في تحقيق الدعم العسكري لأوكرانيا بشكل كبير، وذلك بات يعني تمهيد أرضية تفاوض مع روسيا بما يكفي لجدية التجربة والتجريب.
القضية الثانية عالمياً هي الحرب الاقتصادية والتجارية مع الصين، ربطاً بتايوان، وأمريكا تعرف وتثق باستحالة أن تقبل الصين استقلال تايوان. والمشكلة أن قضية تايوان لا تقبل الجزئية أو التجزئة افتراضياً كما الحالة الأوكرانية.
ثمن أن تقبل أمريكا توحيد الصين وضم تايوان هو ثمن كبير، إن كانت أمريكا فكرت فيه أو لم تفكر، وهو ثمن لا يكتفى فيه بإبقاء مصالح أمريكية وغربية في تايوان وفق أنموذج هونج كونج مثلاً، بل إن أمريكا لها مطالب نوعية اقتصادياً وتجارياً، كتنازلات كبيرة من الصين وليس فقط على مستوى جزيرة تايوان، فهل تستطيع أمريكا ترامب إحداث فكفكة في لحمة والتحام تحالف روسيا والصين بما يلغي أي ربط أو ارتباط بين المفاوضات مع روسيا والأخرى مع الصين؟
بالنسبة لمنطقتنا -والعرب تحديداًـ تاريخهم ارتبط باتفاقية «سايكس بيكو 1»، فهل يتم تقاسمهم -افتراضاً- في «سايكس بيكو2» كما في الأولى؟
لا أعتقـــــد أن وضع الواقع العربي يعطيه مجالاً لأن يفرض من طرفه ما هو أفضلية أو أفضل. والأمر يعتمد على مدى قدرة روسيا والصين لفرض سقف أفضلية أو ما هو أفضل.
في ظل كل ما طرحت فإنني أرى الطريقة التي تم بها تغيير النظام في سورية مريبة أو غير واضحة، وكأن روسيا والصين في صورة هذا المتغير والتغيير، فهل لهذا علاقة بتفاوضات من تحت الطاولة أو تفاوض يتم تدارسه بين روسيا وأمريكا، ثم الصين وأمريكا؟ ثم ما علاقة ذلك بأطروحات الشرق الأوسط الجديد أمريكياً و«إسرائيلياً»؟
طرح هكذا أسئلة أو تساؤلات لا يعني فرض أمر واقع، ولا هو تسليم ولا استسلام أو نحو ذلك؛ ولكنها تساؤلات لا بد أن يطرحها كل طرف على نفسه وتحت أي ظرف.
لا بد أن نقفز في الأسئلة والتساؤلات إلى ما يتجاوز الأعداء ويصل إلى تقييم واقعي وأدق لواقع ومواقف الأصدقاء.
فإذا أصبحنا نستقرئ احتمالية «سايكس بيكو 2» فإنه يعنينا الخوض باستقراء كل الاحتمالات في أسئلتنا مع أنفسنا ثم أجوبتنا.
لنا التوقف عند زيارة مجرم الحرب نتنياهو لأمريكا وما يركز عليه في لقاءاته مع ترامب، ومع تصريحات مجرم أوضح (سموتريتش - وزير المالية «الإسرائيلي») وقد بات يشترط على النظام السعودي تحديداً أن يسير في تطبيع مع كيانه، وبشرط أن ينسى النظام السعودي تحديداً فلسطين كقضية، وأن ينسى كل العرب الوصول إلى دولة فلسطينية وحل الدولتين.
لا يكفي أن نُستفز من كل هذا، بل يفترض أن نتحرك في كل اتجاه وبكل ما يمكن.
دعونا من وقوف ومواقف الأعداء فيما حدث في سورية، فهل تساءلنا عن مواقف الأصدقاء والحلفاء؟! وهل حاولنا الفهم ما أمكن والبحث عن إجابات؟!
مع حرصي وكل احترامي لمسائل التحالفات والصداقات؛ ولكن حساسية المنطقة والصراعات العالمية تستدعي وتستوجب أسئلة أعمق وإجابات أدق ما أمكن!

أترك تعليقاً

التعليقات