اشتياق على أعتاب المدينة
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
ما الذي فعلناه فيك يا مدينة الوجع. جئنا إليك لنكمل تطلعاتنا وأحلامنا البريئة. لنكمل العمر الذي انثنى. في شوارعك ومربعاتك متنا وعشنا. اختلطنا وعايشنا الجميع. تمرمطنا وتبهذلنا وترجينا الأنذال ليمنحونا فرصة أخرى للبقاء، تكبدنا وتحملنا كل ذلك تحت مبرر تضحيات الغربة المحزنة. تركنا الريف الأخضر وقبلنا بجدرانك الأسمنتية الصلبة وإسفلتك المرقع، والأفق المغطى بالأدخنة.
تركنا جدران منازلنا الريفية الجميلة العتيقة وقبلنا بالتسكع جوار جدران بناياتك المرتصة والمدهنة بألوان الاستعارة والملعنة. تركنا الصمت والهدوء، وقبلنا بضجيج السيارات المستمر تركنا أصوات الديوك وهفيف الرياح الهادئة، ووشيش الزرع ونسمات الأطلال والندى الهامدة بلطف على أوراق الشجر. وقبلنا بضجيج المواطير وخرير الدراجات في جميع الشوارع والأمكنة.
ما الذي فعلناه فيك يا مدينة الزحام كي تلفظنا لحظاتك الباهتة. تركنا خلفنا فصول الربيع والخريف وليالي كوانين الملبدة بالغيوم. تركنا زقزقات العصافير ونقاء الجو وريفا ساحرا كنا ننعم فيه ويا الله على شوق إليه يسكن فينا. ما الذي اقترفناه لنصبح شبه جراح وأوجاع نتهافت في شوارعك المثخنة بهموم السرعة والمادة، نبحث عن مساكن ومأوى للنوم هنا وهنا. ومن حجم غربتي وهمي يا مدينة الزحام نسيت من أنا.
تركنا الأحباب والأصدقاء وتفاصيل من نعيم عشرين سنة. وقبلنا أن نعيش فيك يا مدينة العزل والتكبر على الحاصل والعناء.. تركنا وتركنا مواعيد الفجر والذكريات ولحظات أضعناها على أحد شوارعك المنحوسة والملطخة بالجشع في أول سنة غربة.

أترك تعليقاً

التعليقات