العابرون إلى المجهول!!
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
من عمق الهضبة الإثيوبية، حيث الفقرُ يزداد قسوةً والفرص تُصبح وهماً، يبدأ المشهد. هناك، يخرج آلاف الشباب والنساء وحتى الأطفال في رحلةٍ محفوفةٍ بالموت، يسافرون مشياً على الأقدام عبر الجبال والسهول، ليصلوا بعد أيام أو أسابيع إلى صحارى اليمن والسعودية. رحلة أمل، لكنها غالباً ما تتحول إلى أكبر مأساة إنسانية صامتة في العصر الحديث.
يحمل هؤلاء المهاجرون أحلام العيش الكريم كما يحملون جراح بلادهم التي مزقتها الحروب والاضطرابات. يعبرون الحدود بقلوب صغيرة وأحذية ممزقة، يقودهم وسطاءُ تهريبٍ لا تحركهم الإنسانية بقدر ما تحركهم الأموال.
في صحراء الربع الخالي، حيث ينعدم الماء والظل، يصبح كل شيء قاتلاً: العطش، التعب، الجوع، وحتى الصمت. كثيرون يسقطون قبل الوصول، يُدفنون سريعاً في مقابر مجهولة، لا شاهد عليها سوى بعض الرمال التي تأخذهم بصمت...
أولئك الذين ينجحون في الوصول إلى السواحل، لا يجدون سوى خيار آخر أكثر خطراً: قوارب متهالكة تحاول عبور البحر نحو اليمن. يفترض أن تكون رحلة العبور قصيرة، لكنها كثيراً ما تنتهي وسط الأمواج، في غرق جماعي لا يكتب عنه أحد.
من يصل إلى اليابسة لا تنتهي معاناته. فهناك، على الحدود اليمنية السعودية، تنتظرهم فصول أخرى من الألم: مطاردات، احتجاز، تعذيب، وموت بلا شهود. تقارير المنظمات الدولية وثقت عمليات قتل جماعي ورمي جثث على الحدود، دون محاسبة أو اعتراف.
اللافت أنّ هؤلاء المهاجرين يشبهوننا كثيراً؛ في بؤسنا، في أحلامنا المكسورة، وفي تفاصيل حياتنا. هم مرآة معاناتنا، أبناء قارة تُعاقَب لأنها فقيرة، كما يُعاقَب اليمن لأنه يقع على أهم ممر بحري في العالم: مضيق باب المندب.
الحروب، الانقلابات، الحصار، الفقر، الإرهاب.. ليست مصادفات. العالم الكبير الذي صنع الخراب في «الشرق الأوسط» والقرن الأفريقي لا يرى هؤلاء سوى أرقام عابرة في تقارير الهجرة.
الواقع المؤلم للمهاجرين القادمين عبر اليمن يجمع بين مخاطر إنسانية وأمنية حقيقية. الحلّ لا يكمن في إجراءات قمعية أو طردٍ عشوائي، بل في نهج متوازن: حماية واحتواء إنساني، مواجهة شبكات التهريب قانونياً، وتقديم خيارات إعادة آمنة وطوعية مدعومة بإعادة إدماج حقيقية. التزام السلطات اليمنية والشركاء الدوليين بمعايير الشفافية والمراقبة سيحفظ كرامة البشر ويقلل من المخاطر الأمنية للمجتمع كله.

أترك تعليقاً

التعليقات