جهاز المقاول مغلق
 

عمر القاضي

عمر القاضي / موقع ( لا ) الإخباري

أعتقد أنهم بيصرفوا نص راتب. من دون سنبوسة، نص حاف، وشهر كامل مبارك.
أتوقع أيضاً أن دبة الغاز بتكمل بداية رمضان. وعاقل الحارة حقنا الله يعلم أين سيكون وقتها، بالمقوات أم بالجامع يتروح (يصلي التراويح).
وكما توقعت سابقاً أننا سنصوم مع السعودية. لا أدري ما الجدوى أن نصوم مع دولة عدوة لدودة تقتلنا منذ سنوات. حاجة من الاثنين يا الفلكيين حقنا عُمي يطوسوا ما عاد يشاهدوا الهلال الخاص بنا جيداً. يا أما التلسكوبات حقنا خاربة. أنا مستغرب من الفلكيين الذين يستطيعون أن يشاهدوا موجة صقيع البرد، ويعجزون أن يشاهدوا هلال رمضان. المهم ما كان فيش داعي نصوم مع السعودية كذا من الأخير. يا نسبقها بيوم، يا نتأخر عنها بيوم.
من ضمن توقعاتي أيضاً أن المُليس أحمد غيلان بيسافر بداية رمضان الى قريته وهو حتيف نتيف. سيعود لأسرته بذقنته الكثة، مرتدياً بنطاله الداكن، وشميز متسع. لم يتبق فيه إلا 4 أزرار، سيشبكها أحمد في فتحات أزرار أخرى فقدها وهو يكافح في جبهة تلييس الجدران سابقاً. أحمد ليس مهتماً بحشبكة واجهة شميزه الأمامية، بقدر اهتمامه بربط غترته البالية بإحكام، ربطة ستثبت على رأسه لمدة 3 أيام.
سيعود لأسرته متعتلاً على ظهره قطمة كريستال حشا داخلها ملابسه المتسخة وجوقة المتر الدائرية، وبطاقته الشخصية القديمة التي قطعها مطلع التسعينيات في المحابشة بحجة. 
داخل قطمته أيضاً أوراق يحتفظ فيها بأرقام مقاولين وأساطية وعمال كثر، لم تعد فعالة، لكن أحمد يعاود الاتصال بهم من دون ملل أو كلل، رغم رد الشركة عليه، بعد كل اتصال يجريه: (الرقم يا أحمد قلنا ليس في الخدمة)، أو أن جهاز المقاول مغلق أو... الخ. فقط أحمد يريد عملاً من الجن.
منذ بداية الحصار والقصف على اليمن، والتي على إثرها توقفت الأعمال، أصبح أحمد بطالة على رصيف حي القاع. وهناك أصادفه دوماً لأسأله تشتغل هذه الأيام يا أحمد؟ يرد (أقربع يومين وأرقد شهرين. يا ابني من يوم طلعتم لنا هذا الدنبوع رئيس ما عد حصلنا شغل وعافية). ويضيف: من أين بنحصل على شغل وجميع دول العالم تلبجنا وتحاصرنا!
رعى الله أيام أحمد غيلان زمان، كان يعود للقرية راكباً سيارة صالون 84، يأخذها (إنجيز). يرص بداخلها حوائج وراشان ومتطلبات أسرته كاملة. كما يحرص على أن يجلب معه كيس مليم أبو عسل كبير يوزعه طريق طريق لأطفال قريته الذين يستقبلوه بصراخ ليذيعوا خبر وصوله للجميع: (أحمد عاد.. أحمد عاد). المرة هذه سيعود بداية رمضان فارغاً، فقط قابضاً في يديه ملعقة الإسمنت الصغيرة، وعلاقية فيها درزنين موز أبو نقطة، أخذهم دين من صاحب عربية في شارع 20.
 سيسافر أحمد ليلاً من أجل أن يصل القرية قبل الفجر، حتى لا يشاهده أطفال قريته.
أيضاً لا يريد أن يقابل جاره سلام، الذي اعتاد على أن يستقبله بعبارة لم يعد يطيقها أحمد الآن: (ألف حمد الله على السلامة. خلنا أعاونك يا أحمد شكلك تعبان). لو صادفه هذه المرة سيرد عليه أحمد: مافيش داعي يا عبده، هو معي درزنين موز. ليش تعاونا.
أما زوجته ستستقبله كأي امرأة ريفية تستقبل زوجها المغترب، والتي تعبر عن شعورها ببسمة صغيرة مطمورة لن تصمد كثيراً، وهي تشاهد تجاعيد غربة موحشة ارتسمت على وجه زوجها المليس العاطل، الذي سيرغمها لتقعد جواره لسماعه وهو يسرد لها ليالي صنعاء الباردة، وعن رعب قصف طيران التحالف القذر. وسيحلف لها يميناً طويلاً إنه سِلم شعرة من قصف الطيران الأخير بالزبيري. ستقاطعه بشهقة زوجة خائفة: (الحمد الله على سلامتك. ربنا شحفظك بالسلامة). وكعادتها المرأة الريفية نقية يهمها سلامة زوجها، أكثر من أي شيء آخر، بينما أحمد يهمه كيف يخيفها وتسامحه أنه عاد حتيف نتيف. وهذا ما سيحصل.

أترك تعليقاً

التعليقات