مابه غيرك بديل!
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
أنا ابن هذا الوطن الذي تقدر مساحته بـ555,000 كيلومتر مربع، في كتاب جغرافية صف سادس وموقع ويكيبيديا. لدينا رقم فقط، لكن المساحة بالواقع أقل من ذلك.
أنا ابن هذا الوطن المعطاء، الغني بالثروات والتي تقدرها الدراسات بملايين الأطنان، وما قد أبصرنا شكلها ولا طعمنا خيرها. أنا ابن هذا الوطن، كل ليلة أدفع مبلغ ألفين ريال، وغيري يدفع أكثر مقابل إيجار نوم متقطع داخل شقة على فرزة باصات.
أنا ابن هذا الوطن، من حين خُلقنا فيك يا وطن ونحن ندفع الغالي والرخيص وآخرون منا يدفعون أرواحهم لأجل تبقى سيادتك مكتملة واحدة. لكن الآن السيادة مجزأة والوضع للأسوأ، ندفع الرسوم مقابل التعليم والصحة، نسدد جميع فواتير الاشتراكات، ندفع فواتير الاتصالات لنحصل على نت بطيء لا تفرق سرعته عن سرعة باصات باب اليمن الطويلة. نسدد فواتير ماء يأتي بالشهر مرة واحدة فقط، ونرجع نشتري وايتات ماء. نسدد فواتير الضوء الباهظة، ندفع مقابل لقمة العيش، وندفع مقابل كل شيء يا وطن، وحتى عند موت ابنك يا وطن يدفع أقاربه مبلغا وقدره ليحصلوا على بقعة صغيرة على أرضك يا وطن.
ابن هذا الوطن اللي حكومة تُقال وأخرى تُعين، ووزير فاسد يروح، وآخر أسوأ منه يتعين بدلاً عنه. أنا ابن هذا الوطن اللي سلط الله عليه جيران حاقدين، من عند ابن سلمان إلى ابن نهيان.. وما عاد أبصرنا بعدهم خير. نعيش في هذا الوطن على بركة الله، إن شقينا نبارج فيها خلق الله طريق طريق، من بداية الشهر وقد ابنك يتسلف، يتسلف من نشوان عشان يبارج عثمان. وما تبقى من المتخلصين ننفذ عليهم خطة الهروب ونفعل خدمة تحويل الهاتف، وعلى الكل مغلق.
أنا ابن هذا الوطن ولدي أصدقاء كثر منهم من توفق وفتح الله عليه، بينما المدبرون والمحبطون كثيرون، زي أصدقائنا محمد وهشام وعفان و.. و.. إلخ. ما صديقنا عفان إلا لحاله يعود كل مساء إلى ركن الحارة حزين ومتذمر يلعن لحظة قدومه إليك أيها الوطن.
أتعرف يا وطن من هو عفان؟ شاب ثلاثيني كان موظفا حكومياً، بعد العدوان وانقطاع الرواتب ضاق به الحال، تسلف مبلغ وحاول أن يفتح له بسطة خضار، لكن للأسف صادرتها البلدية بدون أي مبرر. كنا قد فرحنا له بالبسطة، وقلنا يلا تخارجنا من حزنه ومعاناته التي يسردها بركن حارتنا ليلاً للسارح والراجع. لكنه عاد مجدداً للتذمر، يشفط باكت دخان مهرب محاولاً بذلك التخفيف من معاناته وحزنه، مرة تسمعه يلعن فلان، ومرة يتصل يتشاجر مع زعطان.
وبعد أيام من مصادرة بسطته، يعلم الله من اشترى له دراجة نارية، شقى فيها كم شهر، حتى قفشته حملة ترقيم لتصادر دراجته بذريعة الترقيم. وبعد شريعة ومعاملة وذهاب وإياب أعادوا له دراجته، عاد عفان يطلب الله وحصل له حادث والحمد لله نجا منه، تكسرت دراجته وحلف يمين أنه لن يعود مجدداً للسواقة، باعها بسعر زهيد وغادر الوطن إلى دولة مجاورة عبر التهريب فقفشوه بالحدود وأعادوه إليك يا وطن مجدداً بحزنه ومعاناته.
ابنك يا وطن تبهذل وتمرمط، أُغلقت كل الأبواب أمامه، الشاقي يشقي بالشهر يوم يومين؛ أسبوع بالكثير وبقية الشهر يدقها نوم، يتسلف حق الغداء والقات ويرجع يتكي على صوت إذاعة محلية فتحت مؤخرا تبث أغاني للفنان أبو بكر سالم والمرشدي وأيوب و.. و.. الخ. وكلما سمع أغنية جديدة يقوم يوضح للشاقي الذي متكي جواره أن هذا الأغنية من كلمات القمندان.
شقات وعمال بدون عمل يتسلفون ويجوعون ويستمعون أغلب البرامج الإذاعية والأغاني والزوامل ويدندنون، يحتفون ويتشبثون بكل ما فيك يا وطن، وينامون على أغنية محمد سعد عبدالله “ألا والنبي يا ناس مابه بديل”، أكيد مابه بديل غيرك يا وطن ولا شغل ولا رواتب.
أنت ابن هذا الوطن إن صادفت صديق بمقيل تحاول تفضفض له ما لديك من معاناة، عادك يلا تبدأ تحكي له تسمعه إلا وهو يسرد لك معاناته من كتاب “ويلات وطن” لـ”روبرت فيسك”، ترجع تقول الحمد لله، وما كلف الله علي أحكي له.
أنا ابن هذا الوطن اللي أوراق عملته حُوربت ودُمرت ولصقناها بجميع اللواصق، من عند لواصق الزلط إلى لواصق الكهرباء، غريناها، فقط باقي نلفها بالشليشان وندفنها وعظم الله أجر الجميع.
أنا ابن هذا الوطن اللي ترك المسؤولون فيه كل مشاكل التعليم وقفزوا يفصلوا الرجال عن النسوان بذريعة الاختلاط، ومرحبا بكم في “ملتقى طالبان الجامعي”.
أنا وأنت أبناء هذا الوطن، نقضي الأيام قربعة، نغامر وسط الخوف ونركض من محافظة إلى أخرى لأجل لقمة العيش. آه يا وطن، تغلقت على أبنائك من كل مكان، تتغلق عليه بصنعاء يفحط عدن، يا سعم بيتخارح، يوصل عدن على جحيم ووضع ألعن وجنان، وضع يخله يرجع صنعاء متعلق مع الماشي بليلة ما لها ضوء. وهكذا نقضي أيامنا فيك يا وطن من مكان إلى مكان، ولكن رغم كل ذلك نحبك يا وطن.

أترك تعليقاً

التعليقات