عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
لم يمر العامان تقريباً منذ رحيل الأب والمعلم محمد الشوكاني (رحمة الله على روحه الطاهرة)، إلا وحلت علينا فاجعة أخرى برحيل الشيخ ياسين مقبل. وعزائي ومواساتي لأسرته، وكما نعزي الإعلامي الحر والبطل جميل المقرمي على مصابه وفقيده عمه الشيخ ياسين (رحمة الله على روحه).

ومن الضروري الكتابة عن الفقيد الشيخ ياسين، وهذا أقل القليل نقدمه له، ولو بكلمات مليئة بوحشة الفقد، وعما قدمه خلال مراحل حياته من مواقف وطنية وإنسانية عظيمة مع أبناء قريته وتجاه الجميع.
لمن لا يعرف الشيخ ياسين بمواقفه وحنكته وأخلاقه العالية، فإنه شخصية اجتماعية معروفة وله مكانته كأحد المشائخ في المنطقة، وقام بحل الكثير من المشاكل الاجتماعية. تم سجنه ثلاث سنوات خلال فترة حكم النظام العميل، وقد قضاها تحت التعذيب، بتهمة أنه أحد قيادات الجبهة القومية، حيث استمر يقوم بمهمة إيصال السلاح من الجنوب إلى شرعب، ثم أصبح قيادياً تنظيمياً في الحزب الاشتراكي اليمني.
تم اختيار الشيخ ياسين رئيساً للجمعية التعاونية التي أسهمت بشق طريق الهجمة - الزريقة، والتي كان شقها يعتبر من المستحيلات، بسبب صعوبة التفاهمات مع أبناء المنطقة وتعقيدات التضاريس، بالإصافة إلى قيامه بتوسيع مدرسة العبور بمبادرة مجتمعية وتعاون مجتمعي.
كان الشيخ ياسين أول مستقبلي أنصار الله في مديرية الشمايتين، وكان هو السند والحامي لابن أخيه الإعلامي الرائع جميل المقرمي في كل تحركاته ومنذ البداية، خصوصاً وزميلنا جميل كان يتحرك في بداية الأمر هناك وسط مجتمع أغلبيته وهابي الأفكار والمعتقدات، ولا يقبل رأي أحد. ورغم المخاوف والخطورة كان الشيخ ياسين هو من يحميه، بقوة أخلاقه ومعرفته ومواقفه وشجاعته.
ويعتبر الشيخ ياسين أول شخص دعم وشجع افتتاح مدراس صيفية بتعز، وعلى ضوء ذلك قام بفتح جزء من منزله للطلاب، والذي يعد أول مدرسة صيفية بتعز.
وبعد ذلك أصبح منزله حاضناً ومقراً للشهيد أبو شهيد الجرادي، طيلة تلك الفترة.
وعندما بدأ العدوان كان الإعلامي جميل المقرمي قد غادر البلاد، نتيجة التهديدات المستمرة من عصابات تحالف العدوان وخوفاً من الاستهداف، تاركاً أسرته هناك بالقرية بحماية عمه الشيخ ياسين، الذي قام بعدها بتهريب أسرة الإعلامي جميل المقرمي إلى مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية، بعد أن أصبحت المنطقة وكراً للعصابات والجماعات التكفيرية المدعومة من تحالف العدوان، والمستجلبة على متن المدرعات الأمريكية وتحت حماية طائرات الـ(إف 16).
بعد ذلك أصبح التواصل بين الإعلامي جميل المقرمي وعمه وبقية أقاربه في البلاد شبه منقطع. وكانت عصابات تحالف العدوان في مدينة التربة كلما اشتبهت بتواصل الشيخ ياسين مع جميل ابن أخيه تقوم باعتقاله وزجه في السجن.
أيضاً، تم قتل أحد أبناء الشيخ ياسين بتهمة التواصل مع ابن عمه الإعلامي جميل المقرمي، وبذريعة أنه زار ابن عمه جميل إلى منطقة الحوبان.
وسبق أن قامت عصابات تحالف العدوان بمطاردة ابن الشيخ وسجنه إلى أن تمت تصفيته.
فقال لهم: "لا، هذا قد يحدث خرقاً، خصوصاً مع انشغال القيادة بالمولد. دعوهم هناك. إن حييت فسأزورهم أنا إلى متارسهم، وإن مت فلهم منا السلام والدعاء".
ظل تواصل الشيخ ياسين مقبل الشجاع المقرمي مع ابن أخيه، جميل، منقطعاً ما يقارب سبعة أعوام، وبعدها زاد شوقه إلى أبنائه الملتحقين بصفوف أبطال الجيش واللجان الشعبية، وكذلك لابن أخيه، الإعلامي جميل المقرمي، مراسل قناة "المسيرة" بتعز، وقد كان بالنسبة لجميل بمثابة الأب والعم، خصوصاً بعد وفاة والد جميل، الحاج محمد مقبل الشجاع المقرمي، في العام 2006.
رأى الشيخ ياسين مقبل أن الوضع أصبح مناسباً لهذه الزيارة، وخصوصاً مع مناسبة المولد النبوي. قرر السفر إلى منطقة الحوبان متنقلاً مسافات طويلة عبر منطقة طور الباحة ثم مديرية القبيطة الراهدة وصولاً إلى منطقة الحوبان. وهناك استقبله جميل بكل حفاوة وشوق، وقضيا أياماً معدودات حتى جاء يوم جمعة، وأديا الصلاة في مسجد الصحابي الجليل معاذ بن جبل.
بعد الصلاة، استودع جميل عمه، وانتقل للعمل بمهمة إعلامية وتغطية فعالية المولد النبوي الشريف في محافظة الضالع. ودع عمه مجبراً، لأداء مهمة يعتبرها جميل جهادية، وتحرك نحو الضالع. وفي وقت عصيب وقبل استضافة جميل المقرمي على الهواء في بث مباشر مفتوح وصلته رسالة من أحد أقاربه تنقل إليه خبر وفاة عمه الشيخ ياسين. تحمل جميل النبأ والصدمة، وحاول أن يظهر نفسه متماسكاً على الهواء.
قضى جميل يوم المولد النبوي في الضالع لإنجاز عمله، ثم تحرك إلى تعز لإقامة مجلس العزاء بهذه الفاجعة الكبيرة، وللقاء أبناء عمه المرابطين في الجبهات، والذين أصبحت منطقتهم محرمة عليهم وهم أبناؤها، بعد أن تحولت إلى مرتع لكل الجماعات التكفيرية.
عظّم الله أجرك يا صديقي الجميل جميل المقرمي، والرحمة والخلود للشيخ ياسين مقبل المقرمي.

أترك تعليقاً

التعليقات