صديقي المكارح!
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
كان لديّ صديق أكبر مني بعشرة أعوام، وكلما نلتقي بمقيل، بالشارع... يبدأ يتمسخر من موقفي العظيم والثابت ضد العدوان، بقوله: «اشتراكيين ضط العطوان»، وهكذا على الزرة طوال سبع سنوات، استمر يرفِس ويكرر الجملة السامجة نفسها، ويكارح وكأنه وكيل حصري للمكارحة مع السعودي!
كنت أعمل احتراماً لفارق السن الذي بيننا، أرد عليه بأدب، وأحياناً «أرطعه» برد لما يسكت ويرجعها ضحك... قلبه نقي وطيب؛ لكن ثقافته إخوانية على اشتراكية على بعثية بطابع البرجوازية.
في العام 2020 على ما أذكر أقبل طيران العدوان السعودي يقصف في حارة صديقي المكارح. في تلك الليلة من القصف دخلت أتصفح «فيسبوك»، لأجد صديقي هذا وقد كتب منشوراً طويلاً عن القصف، وبحرقة وحزن ويدين فيه العدوان.
قال إنه فقد أحد جيرانه، وأن العدوان لا يفرّق بين الأحياء المدنية والمقرات العسكرية،  وأنه عدوان مجرم و... و... إلخ. وأوضح أن نوافذ منزله تكسرت، والصاروخ رمى بزوجته وأطفاله من طرف الصالة إلى طرفها...
قرأت المنشور وفوجئت بتغير موقفه. نعم، هكذا الكثيرون لا يشعرون بالكارثة والقصف وخبث العدوان على بلادنا إلا عندما يقع القصف فوق رؤوسهم أو بقربهم ويفقدون أعز من أو ما لديهم، ساعتها ستجدهم ينطقون كلمة الحق ويعترفون بأنه عدوان على بلدهم ويدينونه.
سبعة أعوام وصديقي هذا يكارح، بعد كل قصف على بلدنا تبصره يغمز بعينه ويقول: «قصفوا قيادات والا قصفوا مخازن أسلحة؟». أرد عليه: «شلوك، وأنت صدقت إشاعاتهم! هؤلاء يقصفون منازل وأحياء مدنية ومواطنين، ويروجون لأكاذيب وإشاعات بأنها أهداف عسكرية ككل مرة، لأجل يطمروا جريمتهم البشعة بحق المدنيين».
ورغم أن القانون الدولي يُجرم استهداف الأعيان المدنية، إلا أن مبدأ عدم قصف المدنيين والأحياء السكنية عند العدوان الصهيوني والأمريكي وقبلهما السعودي والإماراتي غير متواجد.
هناك الكثيرون من أمثال صديقي المكارح، ما يفهم ولا يعترف بالعدوان وأن اليمن على حق إلا لما «يرتطع» أو يتضرر. وهذا يشعرك أنه أناني ولئيم ومصلحي مقيت، لا يشعر أن البقية الذين يتضررون ويستشهدون بالقصف العدواني أبرياء وأبناء وطنه، وأنهم مثله لديهم أرواح ودم وأبناء... أليس ذلك أنانية؟!
أما الذين بالخارج (شقاة العدوان الصهيوني)، ومن يبررون له ارتكاب الجرائم وقصف بلدهم، فهؤلاء بلا دم ولا إحساس ولا غيرة، ويتلقون مبالغ مقابل ذلك، وحاقدون ولا يشعرون بالمعاناة، ولن يترفعوا عن هذه الدناءات، ويفضلوا الانتماء لبلدهم بمواقفهم، لأنهم رخاص.. ولن يفلحوا.

أترك تعليقاً

التعليقات