محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
هفوتان أخلاقيتان ارتكبهما "أرمين لافيت", خليفة المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل, زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أودتا كليا بحظوظه المحتملة في بلوغ منصب المستشارية، الذي يعد مركز السلطة السياسية والتنفيذية الأعلى في ألمانيا، خلال الانتخابات النيابية والبلدية العامة التي جرت الأسبوع الفائت لاختيار خلف لرئيسته السيدة إنجيلا ميركل، الموصوفة بالمرأة الحديدية والتي قررت التنحي الطوعي عن السلطة رغم أنها لا تزال في أوج حضورها وشعبيتها الوطنية والأوروبية معا.
الهفوة الأولى تمثلت في تصريح نسب إلى "أرمين لافيت" لصحيفة "صباح" التركية بأن لديه حباً عميقاً لتركيا، الأمر الذي فسره الألمان بأنه قد يكون هياما مشتركا من "لافيت" لتركيا ولنظامها السياسي ذي الطبيعة الإخوانجية على السواء، وهو الأمر الذي يعد في الواقع خطيئة لا تغتفر، ليس فحسب من وجهة نظر الألمان وحدهم، وإنما من منظور المشيئة والعالم أجمع، لأن حب الخونج -أينما وجدوا في أي مكان بالمعمورة- يعد فعلا من كبائر الموبقات إن جاز التعبير.
أما الهفوة الأخرى فتمثلت في ظهوره مبتسما أو ضاحكا، حسب تداول وسائل الإعلام، أثناء قيامه في يوليو الفائت بتفقد أضرار وضحايا كوارث السيول التي اجتاحت مناطق غرب ألمانيا مودية بحياة المئات وعشرات القرى والمنازل والمنشآت العامة والخاصة... إلخ.
طبعا الألمان الذين يعدون رابع قوة اقتصادية في العالم اعتبروا ضحكته تلك وسط حدث كارثي قد تعد مؤشراً -ربما- إلى انعدام المسؤولية الأخلاقية التي ينبغي على من يتحمل المسؤولية السياسية والإدارية التحلي بها، الأمر الذي لم تفلح معه حتى شعبية ميركل الكاسحة في تعزيز حظوظه الانتخابية وتطلعاته لخلافتها في حكم ألمانيا، لأنه ابتسم في ظرف وزمان ومكان غير ملائمة البتة من وجهة نظر شعبه.
ماذا لو كان قدر للناخبين الألمان مثلا إلقاء نظرة ولو عابرة قبل ذهابهم إلى صناديق الاقتراع؟! دعونا لا نقل هنا على الطريقة التي يحكم بها عملاء ومرتزقة العدوان (هادي وأعوانه الخونج) المناطق الخاضعة لهم، وإنما على الغبطة اللامتناهية التي يتسم بها هذه الأيام "برعهم الاحتفالي" بالذكرى الـ59 لثورة 26 سبتمبر 1962؛ هل كانوا، أي الناخبين الألمان، في هذه الحالة سيغفرون يا ترى لـ"أرمين لافيت" هفوته العرضية تلك، والتي لا تعد هفوة من حيث المضمون الأخلاقي إذا ما قورنت برقصات البرع الخونجي تلك الطاغية على إيقاع "يا فرح يا سلا" فوق ما تبقى من أشلاء هذه البلاد وأبنائها الممزقين والمتفحمين بين نارين: نار العدوان الذي لم يسأم ولم يكل منذ أكثر من ستة أعوام من إلقاء شروره وقنابل النابالم المتساقطة على رؤوسنا بصورة شبه يومية تحت بند معركة الدفاع عن العروبة التي لم يعد لها وجود أصلا حتى في محيط تلك المشيخيات التي تقتلنا كل يوم باسمها، وما بين نار المليشيات البربرية التابعة لمرتزقة العدوان الذين تفننوا من جهتهم في شن حربهم الضروس الخاصة بهم والتي طالت كل مناحي الحياة اليومية للمواطنين، بدءا بأمنهم وأرزاقهم وممتلكاتهم إلى أعراضهم وكرامتهم الإنسانية... إلخ؟!
الأمر اللافت هنا يكمن في أن احتفال طغمة هادي والخونج بذكرى 26 سبتمبر تزامن بطبيعة الحال مع استعار الوضع الاجتماعي الداخلي الذي فجرته الجموع الشعبية الغاضبة والجائعة والمنهكة والمحتجة في مختلف المدن والمديريات والمحافظات الخاضعة لسيطرتهم؛ بدءاً من عدن إلى حضرموت ومأرب وتعز، والتي بلغت حالة الغليان الفعلي بالنظر إلى تعدد وتشعب معاناتهم اليومية، المعيشية منها والأمنية والاقتصادية.
حالة الغضب والغليان الشعبي تلك والتي جوبهت من ناحية أولى بعنف مليشيا تحالف "هادي/ الخونج/ الانتقالي" المفرط ضد المتظاهرين السلميين، تبعها من ناحية أخرى نوع من المعالجة الحكومية المثيرة للذهول والمتخذة من قبل نظام العميل هادي، وذلك عبر إيفاد فتاهم معين عبدالملك للظهور بطلعته البهية أمام الناس عبر زيارته إلى محافظتي شبوة وعدن، وكأنهم يعتقدون أن تواجد بعضهم في محيط الناس يُعد بركة ونعمة ومبعث بهجة للجوعى والمكدودين، أو لربما اعتقدوا أيضاً أن تلك الجموع الشعبية الغاضبة إلى شوارع المدن الرئيسية والثانوية إنما خرجت لتشاركهم احتفالاتهم الوطنية (كنخبة مهيمنة) ربما على طريقة فراعنة مصر القدامى الذين كانوا يحرصون على تحديد مسار حياتهم في العالم الآخر عبر الرسومات الجدارية في قبورهم وأهراماتهم والتي كانت تصورهم وهم يمارسون مهنة الصيد، فيما الجميع سعداء بقدومهم بمن فيهم ضحاياهم من عمليات الصيد المأمولة في الآخرة.
الأهم في هذه المسألة يكمن في أن احتفالات عملاء العدوان بذكرى سبتمبر هذا العام تمت بدون البيضاء، الأمر الذي رفع احتمالية أن يحتفلوا بذكرى أكتوبر القادم بعد أقل من أسبوعين بدون مأرب. وهذا هو -ربما- المغزى الذي هدف من ورائه الشبل معين عبدالملك وعبر اختياره تحديدا لمحافظة شبوة المهددة بالسقوط الحتمي والعودة إلى الحاضنة الوطنية كمحطة أولى لعودته من منتجعه الفندقي بالرياض، إعادة توجيه وعي المجتمعات المحلية الغاضبة والمنتفضة صوب "الخطر الحقيقي" المحدق بهم، أي "الحوثيين"، وفق الخطاب التقليدي للعدوان وزمرته الداخلية والتي لا تستحي البتة من تحميل "الحوثيين" مسؤولية ما آلت إليه أوضاع الناس والمجتمعات المحلية في المناطق الخاضعة لهم، في تناقض صارخ ليس فقط مع المنطق العقلاني لسير الأحداث، وإنما أيضاً مع القناعات الاجتماعية والشعبية التي داست وعلى مرأى العالم أجمع على صور الأفندم هادي وعلى أعلام دول تحالف العدوان، وليس على شعارات الصرخة التي باتت مصدر أمل وإلهام حقيقي لأولئك المغدورين في المناطق المحتلة للخلاص من وطأة الظلم والاستبداد المليشياوي للقوى الدائرة في فلك العدوان، وعلى رأسها زمرة هادي والخونج، الذين لم يعد يهمهم استفحال معاناة الشعب وأوجاعه التي تتضاعف يوميا مع استفحال الإجراءات القمعية والتنكيلية التي تطال دون هوادة كل من يخالفهم الرأي من قبل قوى وقادة مليشيات فقدوا جراء متاجرتهم بقضايا البلاد والشعب كل مبررات بقائهم السياسي والديني والوطني والأخلاقي، ويدركون كعملاء وكمرتزقة بجلاء أن بقاءهم بات مرهونا فقط، وفقط، ببقاء فوهات أسلحة أسيادهم المحتلين مصوبة على الدوام إلى خاصرة هذا الشعب، الذي سيحاسبهم يوما ما دون شك على كل أفعالهم وجرائمهم، ولن يغفر لهم بالتأكيد.


* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات