محمد القيرعي

معروضة على طاولة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، من باب الفضول الإنساني

محمد القيرعي / لا ميديا -
ليس أسيرا حربيا بالمعنى المتعارف عليه، بقدر ما هو أسير للجوع والفاقة والعدمية وقسوة العوز التي دفعته للاستماتة في تأمين لقمة عيش أطفاله الجوعى والمكدودين ولو بالرقص في حلبة مولانا الشيطان.
عاش حياته متنقلا ما بين انهماكه في العمل بـ"خُلب الطين" كعامل بناء وبين تجميعه الدائم لعلب الصفيح التي يسعى من خلال استحصال ريعها الشحيح لتأمين كسرات الخبز الجافة -إن جاز التعبير- لإطعام أطفاله الذين تنامى عددهم ليصبحوا ثمانية باحتساب أمهم المهووسة بالإنجاب المتوالي بحيث لم تعد علب الصفيح ولا الخُلب الطينية كافية لتؤمن لهم أبسط شروط المعيشة الآمنة والممكنة.. ليقوده تفكيره في نهاية المطاف إلى الاقتناع بأمل اليائسين في أن (مبلغ الألف الريال السعودي) الممنوحة من قبل مملكة الرذيلة ومرتزقتها يمكن أن تفي بتأمين أبسط شروط ومتطلبات المعيشة اليومية الآمنة لأطفاله الجوعى.. فكان ما كان.
حين حلت عليه الكارثة أثناء مصادفته في طريق سعيه الدائم للبحث عن الطعام (للعم إبليس) الذي أطل عليه على هيئة ملتح إخوانجي كما جرت العادة، والذي منحه بعد درس معمق عن الثواب والعقاب ومحاسن الجهاد الطوعي في سبيل إرضاء الرب أولاً.. صكا مفتوحا لولوج الجنة، ومضاجعة ما شاء من بنات الحور العين، بالإضافة إلى إمكانية إطعام أطفاله في الدنيا والآخرة.. شريطة اللحاق بركب (مبندقي العمالة) ممن باعوا أرواحهم لمملكة الرذيلة مقابل الألف الريال السعودي.
ولم يطل الوقت حتى كان العم إبليس قد أوفد ضحيته فؤاد قائد محمد سعيد الحمادي إلى منطقة البقع بعد أن منحه بسخاء الفاتحين ثلاث قطم من مادتي السكر والأرز، بالإضافة إلى مادة الطحين التالف كمكرمة أخوية (بالنيابة عن المولى طبعاً) لإغاثة أطفاله الجوعى.
وما إن بلغ الأخ فؤاد، الذي لم تتح له في الواقع فرصة التعليم الذاتي حتى إلى المستوى الذي يمكنه من تدوين اسمه بطريقة صحيحة في كشوفات العمالة والارتزاق، منطقة البقع إذا به وكامل أفراد اللواء الذي انتسب إليه يقعون في أسر مقاتلي الجيش واللجان الشعبية البواسل دون حتى إطلاق رصاصة واحدة قبل حوالي ثلاث سنوات، أي في العام 2019م تقريبا، ولتحل الكارثة هنا وبأسوأ صورها، على كاهل أسرته وأطفاله الذين ازدادوا فوق جوعهم جوعا وفوق حرمانهم حرمانا وفاقة، فلا رب الأسرة بات موجودا بينهم ليؤمن لهم عبر تجميعه لعلب الصفيح وبيعها لتأمين ما يحتاجونه من كسرات الخبز الجافة والشحيحة، ولا العم إبليس الإخوانجي، الذي عادة ما يتقمص في هذه الحالات صفة الوسيط الروحاني ما بين الرب وأسر وعوائل ضحاياه، استمر في إمدادهم بقطم الطعام التالفة، فيما الألف السعودي تحولت هي الأخرى إلى وهم، بحيث لا الأسرى من المغرر بهم، مثال الحمادي باتوا يتلقونها في أسرهم، ولا عوائلهم المنكوبة من بعدهم في قراهم تعرف في أي من جيوب المطاوعة وأمراء الحرب مرساها.
خلاصة القول، أنه وكنتيجة لاستقصائي الشخصي عن حال هذا المعتوه/ الضحية/ الأسير فؤاد قائد الحمادي، تبين أن الرجل لا يفقه حتى ما معنى السياسة، كما أنه لا يفهم الفارق في التباينات المذهبية، ولربما لا يفقه حتى الفارق اللغوي ما بين عبارة لم.. ولن، فهو ليس ثوريا، وليس مقاوما، ولا مرتزقا، بقدر ما هو مكدود منذ شبابه اليائس في البحث عما يسد رمق أطفاله الجوعى.. ولو عبر مبايعته الشيطان ذاته، خصوصاً وأن مثل هذا النمط من الكدح القسري بات هو السيناريو الأبرز، ربما، المفروض على النسبة الغالبة والساحقة من أبناء شعبنا اليمني على امتداد المشهد الديمغرافي، بفضل جلاوزة العدوان وأسيادهم ومرتزقتهم الكثر في الداخل الوطني بغية كسر إرادة شعبنا وتركيعه وإخضاعه، إن جاز التعبير.
إنه في واقع الأمر، رجل ورب أسرة دفعته ظروف الفقر والعوز والحاجة إلى الوقوع ضحية إغواء المطاوعة، لترتد المأساة على واقع ومستقبل أطفاله الذين باتوا بلا مأوى وبلا مرشد وبلا معين لمواجهة قهر الحياة التي لا ترحم أمثالهم، خصوصاً بعد أن تحولت هذه الأسرة المكلومة بولي أمرها إلى أسرة نازحة وطريدة عن منطقة سكنها الأصلية (منطقة بني حماد -مواسط)، حيث لجأت في الوقت الحالي للعيش في منطقة المركز -شمايتين، لا يحتضنها سوى بدروم عمارة مفتوح وقيد الإنشاء بدون نوافذ ولا جدران ساترة تقيهم قسوة الشتاء وتلصص المتطفلين، ما ضاعف من مأساتهم ومعاناتهم اليومية المتمثلة بالجوع والظمأ والحرمان الذي يبرز جليا من خلال أجسادهم المنهكة وأسمالهم الرثة ووجوههم الذابلة والمترهلة وأعينهم الخائرة، خصوصاً إذا ما علمنا أن أكبر أطفال هذا الأسير المعتوه لا يتعدى الحادية عشرة، فيما أصغرهم أبصر النور بعد أشهر من وقوع والده في الأسر.
إنها نموذج للمأساة الإنسانية عينها المتجددة في بلادنا والوليدة من رحم الفوضى والصراعات المتلاحقة المستنسخة مع كل حقبة سياسية جديدة وفق متطلبات المرحلة، الأمر الذي حول تلك المآسي ومع المدى إلى إحدى أفظع صور وأدوات الظلم والإلغاء الممنهج للإنسانية في بلادنا والتي يستحيل شفاؤها على المدى الزمني الطويل.
سيدي القائد الأعلى.. إن مبادرتكم المتوقعة في إطلاق هذا الأسير من أجل أطفاله، الذين يعيشون أوضاعا مأساوية كانت سائدة ومعاشة فقط في القرون الوسطى، هو أمر بديهي لأنه ينسجم تماماً مع إيمانكم العميق والمترسخ بالإنسانية التي وجدت لها ملاذا حقيقيا في عهدكم وفي عهد عملية ثورية نشبت أصلاً على قاعدة الانتصار للمثل الإنسانية، خصوصاً وأنك كنت ولاتزال تؤكد في أغلب خطبك المتلفزة.. على أن قضية الانتصار للإنسانية المسحوقة التي ظلت لعقود طويلة ماضية عرضة للعبث والمؤامرات والمتاجرة اليومية بآدميتها، تعد مسألة حتمية ومقدسة لثورة الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014، وما وضع هذا الأسير وحالة عائلته الأكثر مأساوية إلا انعكاس فعلي لوضع الإنسانية المكدودة والمعذبة في بلادنا جراء إفراط أعداء الأمة في العبث والمتاجرة بأعراضها وآدميتها.
إنها خطوة صغيرة في مضمار الكفاح الثوري الوطني الإنساني الذي تخوضه بلادنا في عهدكم وفي ظل قيادتكم الظافرة، خطوة من شأنها التأكيد على أن التزامنا حيال الإنسانية هو ركيزة نضالنا الوطني المحموم.

أترك تعليقاً

التعليقات