محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
ما من شك في أن الرسالة التي وجهها السيد حسن نصر الله يوم السبت الفائت 19 شباط/ فبراير، للعدو الإسرائيلي وحلفائه الجدد/ القدامى في منطقة الخليج الفارسي، كانت كافية ومعبرة أيضاً من وجهة نظري، ليس فحسب عن وجهة نظر حزبه المقاوم، وإنما عن وجهة نظر مجمل أطراف المحور المقاوم والمناوئ لمسار العمالة والتطبيع على امتداد المنطقة العربية والإسلامية، ومفادها أننا جاهزون ومتأهبون ومستعدون لجميع الاحتمالات.
رسالة السيد حسن نصر الله التي أعقبت بطبيعة الحال زيارة "نفتالي بينيت بن خليفة" إلى المنامة، وفيما كان حبر اتفاقياته العسكرية والأمنية الموقعة مع دويلة بني خليفة الشاذة لم يجف بعد، والمتمثلة في طائرته المسيرة التي جابت الأجواء "الإسرائيلية" بحرية مطلقة ولما يربو على الأربعين دقيقة، مخلفة حالة من الذعر والإرباك الشديد الذي ساد صفوف المنظومة الدفاعية الجوية "الإسرائيلية" وقبتها الحديدية بدرجة كانت كافية لزعزعة مفهوم "الأمن القومي الإسرائيلي" من أساساته الرخوة، وذلك قبل أن تعود سالمة إلى قواعدها في الجنوب اللبناني ومحملة، بالتأكيد، بكم هائل من المعلومات الاستخباراتية والصور الملتقطة للعدو من عمق أراضيه الحصينة والمحصنة وفق الدعاية الصهيونية.
ولعل ما يمنح تلك الرسالة النصراوية طابعها الفائق الأهمية يكمن في كونها وُجهت بعد أقل من 24 ساعة فقط على الخطاب الذي أشار فيه سماحة السيد حسن نصر الله إلى القدرات الإنتاجية والتصنيعية الحربية التي بات يمتلكها حزبه المقاوم وبدعم وإسناد إيراني، وبالذات على صعيد إنتاج وتطوير الصواريخ والمسيرات الذاتية، الأمر الذي أراد من خلاله التأكيد للصهاينة وعملائهم أن "ما نقوله وما نعلن عنه هو الصواب بعينه، ولسنا نكذب حين نقول إن أذرع المقاومة قادرة على ترك بصماتها حتى في مهاجعكم الخاصة''.
ولعل الأمر المؤكد في هذا الشأن يكمن في أن رسالة السيد حسن نصر الله لم تكن موجهة للصهاينة فحسب بقدر ما هي موجهة في الوقت ذاته لطابور المطبعين الذين يعولون على الكيان الصهيوني في حماية -دعونا لا نقل هنا دويلاتهم، وإنما حماية عروشهم وكروشهم وأنظمتهم المتآكلة، من منطلق أن سعيهم لاكتساب المناعة "الإسرائيلية" يتضمن في بعض جوانبه، وإلى جانب تأمين متطلبات المواجهة طويلة الأمد مع محور المقاومة، كذلك تأمين سبل الحماية الممكنة لعروشهم من أي تهديدات داخلية محتملة من قبل شعوبهم ومجتمعاتهم المحلية المكبوتة والمقيدة بأغلال التسلط والاستبداد، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أغلب الاتفاقيات الأمنية المعقودة بين "إسرائيل" ودويلتي البحرين والإمارات كانت موجهة أو مكرسة في الأساس لإخضاع شعوبهم في الداخل وبما يتيح لهم الاستفادة قدر الإمكان من حصيلة الخبرات والتجارب "الإسرائيلية" الطويلة في كبح جماح الانتفاضات الشعبية الفلسطينية المتوالية وقمع حركة النضال الجماهيري المستعرة، وخصوصاً في الداخل الفلسطيني، وبالصورة المطبقة حالياً باحتراف، وعلى نطاق واسع من قبل السلطات البحرينية ضد مناوئيها المدنيين، سواء عبر انتهاجها مبدأ الاعتقال الإداري المفتوح(1) بصيغته المطبقة في "إسرائيل" ضد فلسطينيي الداخل أو عبر المحاكمات القضائية الجائرة بما تتمخض عنه من عمليات إعدام واسعة وممنهجة تطال معارضيها، وصولاً إلى انتهاجها وسائل التجريد القسري من الهوية الوطنية والموازية من حيث بعدها ومضمونها الإلغائي لسياسة الإبعاد القسري المنتهجة ضد الفلسطينيين بصورة ثابتة من قبل الصهاينة.
في النهاية، يمكن القول إن رسالة السيد حسن نصر الله الأخيرة، وعلى الرغم من أهميتها الاستراتيجية، جاءت مكملة من ناحية أولى وموازية من ناحية ثانية لجملة رسائل سابقة ولاحقة كانت موجهة في مجملها في هذا السياق ذاته وللأطراف ذاتها أيضاً على مدى الأسابيع الثلاثة الفائتة ومن أطراف عدة في المحور المقاوم، فمن مسيرات "كتائب الوعد الحق" الوليدة في العراق التي دكت أبوظبي، إلى الباليستيات والمجنحات "الحوثية" التي تدك بانتظام العمقين السعودي والإماراتي، إلى مؤشرات الانفراج المؤكدة في "مفاوضات فيينا" حول النووي الإيراني، وصولاً إلى افتتاح الشقيقة إيران مطار الإمام علي في جزيرة طنب المطلة على دويلة الإمارات.
هذه الرسائل في مجملها وبدرجة رئيسية أسفر عنها إرباك المشهد التآمري (الصهيوني- الخليجي التطبيعي) برمته إلى حد الدفع ببعض أطرافه، وأبوظبي تحديداً، إلى المسارعة وبعجالة شديدة إلى إعادة ترتيب أوراقهم وتحالفاتهم الإقليمية والدولية بغية تعزيز مسعاهم التآمري على نحو يتيح له الصمود والاستمرارية.
ففي الوقت الذي كان فيه السيد نفتالي بينيت يرسم في المنامة خطوط تآمره المفتوح ضد الأمتين العربية والإسلامية بالاعتماد على إمكانيات حلفائه الجدد في الخليج، وبالتوازي أيضاً مع حجم الجهود المضنية والمبذولة من قبل وفده "الإسرائيلي" مع مفاوضي دول (5+1) في فيينا لعرقلة مسار التقدم الدبلوماسي الحاصل في الملف النووي الإيراني، كان عيال زايد من جهتهم يهيمون حباً بتركيا والأتراك وهم يستقبلون أردوغان بعد عقد زمني كامل من الخصومة التي انتهت فجأة على إيقاع الأغنية التي أداها حسين الجسمي بلغة أردوغان ذاته، لدرجة أن محمد بن زايد ومن فرط بهجته بمقدم أردوغان إلى بلاطه كان أشبه بمطلقة فرحة عادت لتوها وبعد عنوس وقطيعة قسرية طويلة إلى أحضان بعلها.
هذا يكشف بوضوح حقيقة الدوافع التآمرية الكامنة من وجهة نظري من وراء هذا التقارب التركي- الإماراتي المحموم وفي هذا التوقيت بالذات وبما يوحي بوضوح بتقمُّص أبوظبي دور الوسيط الأبرز في أداء مهامّ مستقبلية محدّدة من شأنها توسيع نطاق التكتل الإقليمي والدولي المعادي لإيران وللمحور المقاوم إجمالاً بالاستناد إلى جملة من العوامل والاعتبارات السياسية والجيواستراتيجية.
لعل أبرز هذه العوامل والاعتبارات، إلى جانب الإطلالة التركية المباشرة على الجمهورية الإسلامية عبر الحدود الجغرافية الطويلة والمشتركة بين الدولتين والممتدة من ناحية الشرق بحوالي 560 كيلومتراً والمتداخلة في الوقت ذاته مع مثلث الحدود الإيرانية الأذربيجانية الدائرة هي الأخرى في الفلكين التركي والتطبيعي مع "إسرائيل" والمقدرة بحوالي 765 كيلومتراً، بالإضافة -وهذا هو الأهم- إلى طبيعة ونوعية العلاقات الدبلوماسية والتجارية القائمة بين أنقرة و"تل أبيب" منذ ثمانينيات القرن العشرين، بما تشمله هذه العلاقة من تعاون سياسي وأمني وعسكري واستخباراتي واسع النطاق، الأمر الذي يبين بوضوح أهداف ودوافع هذا التقارب الإماراتي التركي المفاجئ والهادف بما لا يدع مجالا للشك إلى توسيع نطاق التكتل الصهيورجعي إمبريالي في مواجهة المحور المقاوم عبر تطويق مركزه الرئيس (جمهورية إيران الإسلامية) من الشرق والجنوب والغرب لتجريدها من أي قدرة مستقبلية على التحرك والمناورة، بغية تأمين الأمن القومي الاستراتيجي لـ"إسرائيل" وحلفائها ووأد وإخماد أي نفس مقاوم على امتداد المنطقة العربية والإسلامية بالصورة التي سنتناولها تفصيلاً في مقالاتنا اللاحقة.


هــامــش:
(1) قانون الاعتقال الإداري المفتوح هو القانون الوحيد من نوعه على مستوى العالم أجمع، والمطبق فقط في "إسرائيل"، بوصفه من أفظع آليات ووسائل القمع والإخضاع والتنكيل الأمني المفتوح، أي غير المقيد أصلاً بأية قوانين أو نصوص قضائية وتشريعية، والذي يستهدف فلسطينيي الداخل تحديداً، من قبل الأجهزة الأمنية والاستخبارية "الإسرائيلية" التي تمتلك الصلاحية المطلقة وفق هذا القانون لاعتقال من تراه أو تراهم يشكلون، من وجهة نظرها، تهديداً محتملاً على الأمن القومي والاجتماعي لليهود وحجزهم لسنوات عدة خارج النطاق القضائي ودون حتى توافر الأدلة المادية والقانونية المفترضة لإدانة مصادر التهديد المحتملة تلك.

أترك تعليقاً

التعليقات