محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
تستمر الجولة السابعة من مفاوضات فيينا بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومجموعة (5+1)، ويتصاعد معها الجدل بتصاعد التهديدات "الإسرائيلية" الصريحة والأمريكية المبطنة ضد إيران، لعل آخرها ما ورد على لسان وزير دفاع الكيان الصهيوني بأن تنسيقاً دولياً معمقاً يجري بوتيرة متسارعة لتشكيل جبهة دولية موحدة لاستهداف إيران بغية وأد وإحباط برنامجها النووي وتطلعاتها القومية... إلخ.
وبما أنه لا جدال هنا في أن المقصود بالأطراف الدولية المتكتلة، حسب تصريح وزير الحرب "الإسرائيلي" غانتس، إلى جانب كيانه في مواجهة إيران، هم ولا شك مهرجو الرياض والمنامة وأبوظبي، خصوصاً بعد مشاركة الأخيرتين في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت في مناورة عسكرية ذات مضمون استعراضي في جانبها الأعم في مياه البحر الأحمر بالشراكة مع أسيادهم الصهاينة والأمريكان تحت شعار تعزيز أمن الملاحة البحرية.
إلا أن السؤال الذي يطرأ بإلحاح في هذه الحالة يتمحور ربما وبدرجة رئيسية حول ما هو الجزء الذي لم يستوعب حتى اللحظة من قبل الصهاينة والأمريكان ومعتمري الدشداشات من سيمفونية المقاومة التي مركزها إيران والتي برهنت مجمل الأحداث المتلاحقة خلال السنوات الفائتة تحديداً على عدم قابلية هذا المحور المقاوم أصلاً للطي أو الإخضاع أو الوأد والترهيب من قبل أية قوة كانت؟!
فالعقوبات الأمريكية ـ الغربية ـ والعربية (بشقيها الرجعي والخليجي) المركبة والمتواصلة منذ سنوات طويلة لم تفلح حتى الآن في تركيع الشعب الإيراني المقاوم أو الحد من قدراته، بل على العكس من ذلك تماما، فإيران باتت أقوى بعشرات المرات مما كانت عليه قبل فرض وإقرار منظومة العقوبات المتوالية التي هدفت في الأساس إلى تقييدها وتجريدها من كل مقومات النهوض والمقاومة.
كما نجح الإيرانيون خلال فترة الحصار والعقوبات الاقتصادية الجائرة في بناء منظومة عسكرية منيعة ومتكاملة، وعلى أحدث المستويات التقنية والعصرية وبطابع إنتاجي وطني بحت في أغلبه، والذي يشمل مختلف مجالات البناء العسكري للقوات البرية والجوية والبحرية والصاروخية أيضاً، التي تشكل عماد المنظومة الدفاعية الإيرانية، إذا ما وضعنا بعين الاعتبار أن مخزونها الاستراتيجي الهائل يربو على الستة آلاف صاروخ باليستي طويل المدى قادرة على ضرب أهداف تبعد ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف كيلومتر وبدقة متناهية، أي امتلاكها قدرة الوصول السلس إلى عمق أراضي الكيان الصهيوني والعمق الأوروبي أيضاً.
وبرأيي، فإن تلك التهديدات "الإسرائيلية" ـ الأمريكية المتوالية حول الاستعدادات الجارية، حسب زعمهم، لتوجيه ضربة عسكرية محتملة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تعدو كونها حربا نفسية أكثر من كونها تهديدات فعلية، نظراً لإدراك أمريكا و"إسرائيل"، ومعهم مهرجو الخليج، القدرات الجبارة التي تمتلكها إيران ومن ورائها محور المقاومة على ردع أي سلوك عدواني واستعلائي قد يستهدفها من أي طرف أو قوة مهما بلغ جبروتها.
والأمثلة كثيرة ومتعددة على ذلك، ليس أقلها الهزائم المدوية الأخيرة والمتلاحقة التي مني بها جيش الإخوة الجدد (في أورشليم) الجيش "الإسرائيلي" الذي لا يقهر! بدءاً بانكساره المدوي على يد أبطال المقاومة اللبنانية الباسلة ممثلة بحزب الله خلال أحداث حرب تموز/ يوليو 2006، والتي تكبد خلالها جيش الاحتلال "الإسرائيلي" ما يربو على 160 قتيلا عسكريا في صفوفه، في حصيلة تعد كارثية بالفعل من منظور صناع القرار الصهيوني، كونها لم تسجل حتى في أغلب حروبهم السابقة مع الأنظمة العربية الرسمية.
وهي النتائج التي لا تختلف بأي حال من حيث مضمونها الدراماتيكي عما حققته في أيار/ مايو الماضي فصائل المقاومة الفلسطينية المشتركة في معركة "سيف القدس" التي خاضتها ببسالة ملفتة ضد الاحتلال "الإسرائيلي" دفاعاً عن حي الشيخ جراح والمقدسات الإسلامية، مقدمة من خلالها، أي المقاومة، نماذج جديدة وحاسمة في سبل وطرائق الكفاح التحرري الوطني، ليس فحسب من حيث الدقة والقدرة الصاروخية وامتلاك عنصري التوقيت والمفاجأة التي بدت عليها المقاومة، وإنما أيضاً من خلال القدرة الفريدة التي ميزت أداءها وقدراتها التكتيكية التي أسهمت بشكل فاعل في فرض قواعد اشتباك جديدة مستقبلية على جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، تقوم على مبدأ حماية الحقوق الفلسطينية في الضفّة والقدس المحتلّتَين وفي أي جزء من فلسطين وليس في نطاق غزة فقط، كما كان عليه الحال قبل معركة "سيف القدس" الأخيرة.
إذن، والحال هكذا، لكم أن تتخيلوا كيف ستكون نتائج المواجهة بالنسبة للكيان وحلفائه العرب والأمريكان إذا نشبت مع قلب محور المقاومة (إيران) بما يمتلكه من قدرات ردع ودفاع وطني جبارة وعزم مقاوم لا يلين، وما مناورات "الرسول الأعظم" التي لا تزال جارية حتى لحظات كتابة هذا المقال بين مختلف قطاعات الجيش والحرس الثوري الإيراني إلا أنموذج مصغر لما ينتظر كل من يفكر باستعراض جبروته ضد شعب وثورة إسلامية نشبت وتطورت ودامت وتمددت أيضاً على أبجدية الصمود والمقاومة واستعادة الهوية القومية والإسلامية المستلبة.

أترك تعليقاً

التعليقات