محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
الرياض وأبوظبي ومرتزقتهما في الداخل (نظام المعتل هادي) هللوا طويلا الأسبوع الفائت لقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، القاضي بإنهاء مهمة فريق الخبراء الأممي المناط به مهام التحقيق المفترض بجرائم الحرب المرتكبة في حق شعبنا وبلادنا، معتبرين، أي مهرجي التحالف ومرتزقتهم، ذلك القرار بمثابة انتصار مؤزر لسياستهم بالشكل الذي قد يسهم، ربما من وجهة نظري، في التعويض بطريقة أو بأخرى عن هزائمهم الكارثية المتلاحقة في الداخل الوطني على الصعيدين السياسي والعسكري.
مبعث فرحة “المبترعين” في تحالف الرذيلة كان مرده الأساس تشكيكهم اللامنطقي والدائم بنزاهة فريق الخبراء المتهم من قبلهم بالانحياز الأعمى لـ”الحوثيين”، رغم مجانبة هذا التشكيك لمبدأ الصواب طبعا.
وبما أن القرار لم يكن مفاجئا البتة، إلا أنه، ومن منظوري كمواطن يمني وكضحية للعدوان، لا يعني شعبنا اليمني المجني عليه لا من قريب ولا من بعيد، بغض النظر عن مزاعم دول تحالف العدوان حول الانحياز المزعوم لفريق الخبراء الأممي إلى صف “الحوثيين”، بالنظر في المقام الأول إلى أن مجمل أحداث وظروف وسنوات العدوان برهنت بما لا يدع مجالا للشك على أن المنظمة الدولية ككل (الأمم المتحدة) وبمختلف هيئاتها ومفاصلها تعمل أساسا وفق البوصلة الأمريكية و”الإسرائيلية” ومهرجيهم من أمراء النفط في الخليج، وتحديدا الرياض وأبوظبي، اللتين تفننتا في توظيف واستثمار دولارات وثروات شعوبهما لمسائل كتلك، أي شراء الذمم والولاءات الأممية والدولية لتمرير مشاريعهم العدوانية.
هذا الأمر يمكن تبيانه بوضوح من خلال الإمعان بموضوعية فاحصة في أغلب القرارات والمواقف الأممية العديدة والمتعارضة في أغلبها مع بعضها، التي صدرت خلال سنوات العدوان، منها على سبيل المثال قرار الأمم المتحدة عام 2016 والمتضمن إدراج دولتي العدوان الرئيستين (السعودية والإمارات) ضمن قائمة العار، بسبب جرائمهما المرتكبة بحق أطفال اليمن، استنادا إلى الأدلة المادية الدامغة والمضمنة آنذاك في تقريرها السنوي الصادر للعام 2015 حول وضع الأطفال في مناطق الصراع المسلح.
وهو القرار الذي لم يعمر فعليا سوى أيام قلائل قبل أن يبادر أمين عام الأمم المتحدة آنذاك، السيد بان كي مون، بسحبه وإلغائه، إن جاز التعبير، مبررا خطوته المبتذلة تلك بأنها تعكس حرصه الشخصي على مصير وسلامة بقية الأطفال المعوزين في مناطق أخرى من العالم، مثل السودان وسورية وفلسطين وميانمار، والذين قد يتضرروا -لا قدر الله- إذا ما نفذت السعودية والإمارات تهديداتهما آنذاك بوقف المساهمات المالية الممنوحة من قبلهما لهيئات المنظمة الدولية الإغاثية والإنسانية المختلفة! هكذا وبكل صفاقة وابتذال، وكأن أطفال اليمن ليسوا جزءا من منظومة الطفولة والإنسانية العالمية.
وهي الخطوة التي عززها فيما بعد الأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي لم يكتف فقط، ومنذ العام 2018 وما تلاه، بإزالة دول العدوان من قائمة قتلة الأطفال ومرتكبي جرائم الحرب في اليمن، على الرغم من إقراره الضمني أصلاً وتحديدا في العام 2019 بمسؤولية طيران التحالف السعودي الإماراتي عن مقتل مئات الأطفال في اليمن، بقدر ما حرص، أي غوتيريش، في الوقت ذاته على إضافة لمسته الشخصية الخاصة فيما يتعلق بنفاق وازدواجية منظمته الأممية، من خلال قراره اللامنطقي واللاعقلاني أصلاً بتصنيف حركة “أنصار الله” ضمن قائمة المنتهكين لحقوق الأطفال في اليمن، رغم أنهم يقاتلون، أي “الحوثيين”، كما هو معلوم، ببنادق الكلاشنكوف وليس بقنابل النابالم المتساقطة يوميا بواسطة طائرات العدو على رؤوس شعبنا وأطفالنا.
وكأن “الحوثيين” هم من قصفوا بمقاتلات الـ(إف 16) والـ(إف 35) أمريكية الصنع حافلة الأطفال التي أودت بحياة ما يقرب من 30 طفلا بمحافظة صعدة في آب/ أغسطس 2018، مثلما استهدفوا أيضاً بطيرانهم الحربي الحديث مئات المدارس والأسواق الشعبية والمستشفيات ورياض الأطفال التي قصفت أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.
إنها قمة الإسفاف الأممي العلني والمفضوح، والذي لا نستغرب إزاءه حقيقة أن الموقف الأممي الأخير والقاضي بعدم تمديد مهمة فريق الخبراء كان ناجما بالدرجة الأساس عن قوة وفاعلية الدور السعودي الضاغط وراء صدوره، ولأسباب عدة أبرزها في المقام الأول، حقيقة إدراك الرياض لاقتراب هزيمتها الكاملة في اليمن واندثار مشروعها الإخضاعي برمته، خاصة مع توالي الهزائم العسكرية المتلاحقة لقواتها وقوات مرتزقتها على امتداد الديموغرافيا الوطنية على غرار مجريات معركة مأرب الراهنة.
أما السبب الآخر فيكمن في سعي المملكة المستميت، وإزاء النتائج الكارثية لمغامرتها العسكرية في بلادنا، لتلافي المزيد من المواقف والإدانات الدولية المتنامية لدورها الإجرامي في حرب اليمن، الأمر الذي ينسف تماما مزاعمها المتمحورة حول انحياز الفريق المستهدف من القرار إلى صف “الحوثيين”.
صحيح أن أفراد هذا الفريق سعوا وخلال سنوات نشاطهم في اليمن بطريقة أو بأخرى لتوثيق بعض جرائم الحرب المرتكبة في بلادنا من قبل تحالف الرذيلة بقيادة الرياض، لكنه لم يكن نشاطا بالمستوى المطلوب من حيث فاعليته الموضوعية والأخلاقية، قياسا بحجم الجرائم المرتكبة من قبل السعودية والإمارات، تحديدا على مدى ما يقرب من 7 أعوام، والتي طالت النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين عموما، الذين استهدفوا بطريقة متعمدة في المدارس والمستشفيات والأسواق الشعبية والأحياء السكنية وتجمعات الأعراس والمآتم ورياض الأطفال... إلخ، وهو الأمر الذي لم يكن يَصعُب علينا، وربّما على الكَثيرين مِثلنا، فهم المقاييس الأخلاقية والمهنية الموضوعية التي حكمت أصلاً نشاط فريق الخبراء الأممي فيما يخص مهامه المفترضة برصد وتوثيق جرائم الحرب شبه اليومية المرتكبة في بلادنا والتي كان ربما لمنظمات حقوقية دولية مستقلة مثل “هيومن رايتس وواتش”، والـ”امنستي مدريتس ووتش” وغيرهما، الإسهام الأكثر دقة وفاعلية في رصد أحداثها وسيناريوهاتها الدموية والاجرامية وعرضها على الرأي العام العالمي وبشكل أكثر موثوقية مما قام به فريق الخبراء الأممي والتابع أساسا لمنظمة الأمم المتحدة في هذا السياق.
في النهاية، جميعنا ندرك أن حمية الأمم المتحدة وفاعليتها لا تبرز، وبصيغها وأشكالها الفلسفية والقانونية الرصينة جدا، إلا في تلك الحالات التي يقدم فيها على سبيل المثال مواطن أو مواطنة فلسطينية على طعن مستوطن يهودي ممن سلبوه أرضه ومنزله وأمنه وسكينته وكرامته الإنسانية... فهنا يتجلى الدور الأممي مشحونا كما اعتدناه على الدوام بعبارات الشجب والتنديد والإدانة الفورية لمستخدمي الحجر والسكين الفلسطيني بما يشكلانه في الواقع من “تهديد وجودي” لأصحاب الحظوة “الحقيقية” عند الرب و”شعبه المختار” (يهود أورشليم)، وما عدا ذلك فإن المنظمة الدولية لا تعدو كونها مجرد مؤسسة مختصة بأعمال المقايضات ذات المصلحة النفعية لبعض للاعبين الرئيسيين في العالم، بغض النظر عن وجهتها، طالما وهي مندرجة في سياق المتاجرة العلنية بالقيم والأعراف والمواثيق والأعراض الإنسانية.



* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات