محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
في الأسبوع الفائت طغت الشائعات بقوة عبر منصات التواصل الاجتماعي، طبعاً بما فيها اليوتيوب، بالإضافة إلى بعض المواقع الإخبارية، حول وفاة عاهل مملكة الرذيلة، سيئ الصيت، سلمان بن عبد العزيز، ومبايعة نجله وولي عهده محمد بن سلمان خلفا له، ما جعلنا نترقب بلهفة أي نفي أو تأكيد محتمل حول الموضوع يصدر عن ديوانهم الملكي، كما جرت العادة في مثل هذه الحالات.
وبرأيي، فإن تلك الشائعة لم تكن عرضية أو غير مقصودة البتة؛ إذ إن الإمعان بموضوعية فاحصة لقاعدة النظام الملكي السعودي التاريخية فيما يخص مبدأ التناوب في تداول العرش، والتي اختلت بدرجة مريعة جراء الانقلاب السلطوي الذي نفذه سلمان ونجله محمد، قبل ست سنوات، ضد بقية أفراد الأسرة الحاكمة، وبمساعدة ومباركة مشفوعة آنذاك من مولاهم (دونالد ترامب)، يبين بوضوح تورط النخب، وربما المؤسسات الأمنية والاستخبارية المحيطة بمحمد بن سلمان وحاشيته الانقلابية في بث وترويج مثل تلك الشائعات بهدف قياس مستوى رد الفعل السياسي والاجتماعي داخل وخارج المملكة، لاحتساب مؤشرات الفوضى والصراع الأهلي الداخلي المحتملة، والتي قد تنشب فجأة وبصورة قد تعيق بطريقة أو بأخرى عملية الانتقال السلس للسلطة إلى الفتى محمد بن سلمان، بالنظر إلى حالة التشظي والانقسام المستعرة بين رموز وأقطاب الأسرة المالكة منذ السطو الانقلابي المدروس على السلطة، الذي قاده سلمان ونجله محمد في العام 2016.
هذا الأمر يعكس بجلاء مدى القلق العميق الذي يعتري ولي عهد مملكة الرذيلة محمد بن سلمان حيال هذه المسألة، خصوصاً مع شعوره المتزايد من ناحية أولى بعدم رسوخ واكتمال مشروعه الانقلابي ضد أعمامه وبني عمومته، والذي لا يزال منقوصا بدرجة أكيدة (أي الانقلاب الملكي) وفاقدا للشرعية الدستورية والوطنية والأخلاقية وحتى الدينية أيضاً، على الأقل من منظور المنقلب عليهم من أمراء وشخصيات ملكية لا يزال العشرات منهم مكبلين في سجون الانقلابيين (سلمان ونجله)، فيما يقبع بعضهم الآخر قيد الإقامة الجبرية كما هو حال ولي العهد السابق محمد بن نايف، فيما فضل العدد الأكبر منهم العزوف عن إعلان وتأكيد ولائهم الشخصي والأسري لابن سلمان أو تأييدهم المفترض لوراثته العرش، فيما يكمن السبب الآخر في فشل مشروعه العسكري والإخضاعي ضد شعبنا وبلادنا، والذي يُضاف أو يتربع على رأس قائمة عثراته وإخفاقاته، الأمر الذي يجرده تماما -من وجهة نظر مناوئيه داخل الأسرة المالكة وحتى خارجها أيضاً- من الشرعية، ومن المؤهلات اللازمة لوراثة عرش المملكة وحكم بلاده، التي باتت اليوم شبه منبوذة على المستويات الإقليمية والدولية كافة، وعلى المشهدين العربي والإسلامي على وجه الخصوص، بسبب سجله الإجرامي على الصعيد الحربي، والذي أسفر ويسفر عنه كل يوم توسيع قاعدة الرافضين والمنددين بسلوكه التعصبي والإجرامي والمطالبين بتجريمه ومحاكمته.
ويضاف إلى ذلك طبيعة النتائج الارتدادية العكسية لظاهرة الحداثة الوليدة في نهج محمد بن سلمان، والتي انتهكت العديد من المحرمات والتقاليد الاجتماعية والدينية والثقافية القصوى والراسخة في وعي وثقافة وحياة المجتمع السعودي المحافظ، بحيث باتت المسائل المتعلقة بتعاطي الخمور والمشروبات الروحية والشذوذ وكل أشكال الفجور الجنسي من الأمور المعاشة والمعتادة في خضم الحياة اليومية للمجتمع، الأمر الذي يعد من قبل العديد من القوى والتيارات الدينية والاجتماعية المحافظة خروجا سافرا عن الدين والملأ والمعتقد.
وما يزيد الطين بلة أيضاً في هذا الصدد بالنسبة لابن سلمان وحاشيته يكمن في حجر العثرة الإضافية التي نشأت في أعقاب خسارة دونالد ترامب السباق الرئاسي العام الفائت، والتي قد تسهم بشكل أو بآخر في تعقيد جهود ابن سلمان الانقلابية لوراثة العرش، والمتمثلة في نُذُر الريح المشؤومة التي بدأت تهب عليهم من جهة إدارة جو بايدن، خلافا لما كان عليه الحال في عهد إدارة ترامب الداعمة بسخاء وولاء مطلق لتطلعاته الانقلابية والاستحواذية على الحكم.
إذن، وعلى ضوء هذه الأحداث وإزاء هذه العوامل، ومع كل يوم يمضي، ومع اقتراب سلمان الأب من قبره المحتوم، تنكشف أمامنا وأمام العالم المزيد من الأخبار والتسريبات الجديدة عن احتدام حدة الصراعات الداخلية التي تشهدها مملكة الرذيلة، وخصوصاً مع وحول دور ووظيفة هيئة البيعة الملكية التي عادة ما يرأسها أكبر أعضاء العائلة سناً من أبناء المؤسس عبد العزيز، والتي تضم في قوامها أبرز وأقدم الرؤوس الأميرية سناً وخبرة ونفوذا سلطويا، والتي باتت أيضا (أي الهيئة) قاب قوسين أو أدنى من الحل الذي يفضل ابن سلمان اللجوء إليه كإجراء احترازي يسبق رحيل والده، بوصفها الخطر والتهديد الأبرز لسلطته المطلقة، والعائق الرئيس المحتمل أمام طموحاته المستقبلية بتولي عرش المملكة، خصوصاً وأن الاعتقالات وحملات التنكيل الواسعة التي شنها ابن سلمان ضد مناوئيه، وخصوصاً في محيط الأسرة المالكة في الأشهر والأعوام الفائتة من خلال استهدافه لأكثر أفراد العائلة المالكة نفوذاً ولم يسلم منها كبار الأسرة مثل عمه أحمد بن عبدالعزيز وولي العهد السابق والمقصي قسرا إثر المشروع الانقلابي ابن عمه محمد بن نايف، لم تفلح في مجملها بتوطيد أركان حكمه وهيمنته المطلقة على مفاصل القرار السياسي في المملكة أو ترهيب الآخرين من مناوئيه، الأمر الذي سيدفعه لا محالة خلال قادم الأيام لاتخاذ المزيد من الإجراءات القمعية والتنكيلية بحق هؤلاء المناوئين من أفراد الأسرة المالكة بمن فيهم هيئة البيعة الملكية التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الحل النهائي كما أسلفنا، والذي وإن حدث فعلا (أي حل هيئة البيعة) فسيتم بالاستناد إلى جملة من الدعاوى والذرائع الجاهزة والمعدة لهذا الغرض، منها مكافحة الفساد، التي استخدمت كأداة تركيع رئيسية خلال الأعوام الفائتة ضد العديد من الأمراء ورؤوس الأسرة النافذين وحتى رجال الدين، وهو ما يعكس المدى الإجرامي الوضيع والمبتذل الذي يمكن للفتى محمد بن سلمان بلوغه في سبيل الظفر بالسلطة.
هذا الأمر يعني عملياً القضاء على الهيكلية التقليدية والمتوارثة لبنيان الأسرة المالكة، وترسيخ صورة الحاكم الفرد والمطلق محمد بن سلمان وفرع سلمان كعائلة، على حساب الأسرة بكامل فروعها وامتداداتها، خصوصاً لما لهذه الهيئة من أهمية محورية في الحفاظ على توازن النظام الملكي وتماسكه، والتي كان لها الدور الأبرز في نيسان/ أبريل 2015، بتعيين الأمير المنقلب عليه محمد بن نايف ولياً للعهد.
في النهاية، سواء رحل سلمان أو بقي فإن هذا لن يغير طبيعة النظام الملكي الذي سيظل مشحونا كعادته بالدنس والمؤامرات، سواء ضد أطرافه الداخلية أو ضد محيطه العربي والإسلامي، وإن كان الأمر الذي لا جدال فيه بهذا الصدد هو أن سلمان وإن رحل، فإنه سيرحل كسابقيه مشيعا بلعنات الملايين من أبناء شعبنا اليمني والأمتين العربية والإسلامية، الذين اكتووا بنيران إفكه ومؤامراته، من اليمن إلى ليبيا ومصر وسورية ولبنان وتونس والسودان...إلخ.

أترك تعليقاً

التعليقات