محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
كغيري من المهتمين بالشأن الوطني تابعت ما عرضه وزير حقوق الإنسان السيد علي الديلمي في مؤتمره الصحفي الأخير حول الأوضاع المأساوية التي يتجرعها مواطنونا في الديار المقدسة والمنشور في الصفحة الثانية عدد رقم (1163) من صحيفة "لا" والصادر يوم الأربعاء الفائت، الصحيفة الصامدة والأكثر فاعلية بجهود وثبات هيئتها التحريرية من بتوع المؤتمرات الصحفية في مقارعة العدوان.
وبالتأكيد فإن السيد الديلمي لم يكن على ضلال في هذه المسألة، لأن ما تناوله كان هو عين الصواب حقا.. كون ما يعيشه مواطنونا هناك يرقى إلى مستوى الاحتقار والاستعباد المشاعي الكلي من قبل إخوانهم في الدين والملة، وهو الأمر الذي لمسته بشكل جلي خلال إقامتي المرفهة في الرياض من يونيو إلى أكتوبر 2019، تحت مسمى ضيف الملك (كمرتزق مستجد وقيد الاختبار آنذاك) بالصورة التي سبق لي أن شرحتها في مقالات سابقة.. تعرفت خلالها على الكثير من المغتربين اليمنيين المقيمين في المملكة ومن العاملين في مهن متنوعة، منهم من يشتغلون في البناء ومنهم من يعملون نادلين وفراشين وموظفي مبيعات في الأسواق والمراكز التجارية.. إلخ.
ومعظمهم أباحوا لي بما معناه.. أنهم حينما يفكرون في حاضرهم وفي عوائلهم المقيمة في الوطن وفي واقعهم ومستقبلهم المهني في المملكة.. فإن هذا يمزق قلوبهم من الداخل، ذلك أنهم وإلى جانب أجور العمل المتدنية جدا والمقدرة كحد أعلى بالنسبة لليمنيين بواقع ألفي ريال كأجر شهري مقابل اثنتي عشرة ساعة عمل يوميا، علما أن ما نسبته 45% من دخلهم الشحيح هذا يعود ريعه للخزينة السعودية كرسوم إقامة سنوية إلزامية مقدرة على كل فرد مقيم بواقع عشرة آلاف ريال سعودي سنويا، فإنهم يعيشون في الوقت ذاته في خوف داهم من عجرفة المجتمع السعودي الذي يتعامل معهم كعبيد مجردين في الواقع من أبسط معايير الحقوق والحماية والكرامة والشخصية الإنسانية.
إنهم ما دون البشر تحديدا.. لدرجة أنه في مقدور أي شاذ سعودي يعتمر عقالا ودشداشة أو عاهرة منقبة في الوجه وعارية الصدر وما تحت الحزام وفق الموضة السعودية السائدة حاليا بمقتضى شروط حداثة ابن سلمان أن يعتدوا بالصفع والشتم والركل على أي مغترب أو مقيم يحمل الدمغة اليمنية لأبسط سبب وبدون أسباب وجيهة في أغلب الأحيان وجرجرته إلى أقسام الشرطة التي عادة لا تبادر بفتح أي محاضر تحقيق استقصائية حينما يتعلق الأمر بمقيم أو مغترب يمني.. لأنه مدان بالفطرة وعرضة للحساب والمساءلة والعقاب الجنائي والإجرائي بالوسائل المتبعة هناك والخالية بطبيعة الحال من أي مشاعر أخوة ومن أبسط الشروط والمعايير الإنسانية.. فلا كرامة ليمني.. ولا آدمية معترف له بها.. ولا حماية أو قوانين تكفل له حق التقاضي والدفاع عن نفسه بالطرق القانونية السارية على غيرهم بالطبع من وافدين كالهنود والبنغال والمصريبن والشرق آسيويين.. إلخ.
فيما حكومة الفنادق المتمترسة والمقيمة هناك بين ظهرانيهم تغض الطرف تماما في ما يخص أوضاع مواطنيها المفترضين.. وكأن الأمر لا يخصها البتة.. وأمر كهذا يعد بديهيا إذا ما عرفنا أن الدونية والتهميش الاحتقاري لا يقتصر فحسب على جموع الرعاع من مواطنينا البائسين، بقدر ما ينطبق أيضا بصورة أو بأخرى على ساسة وأعضاء نظام وحكومة المرتزقة الذين يعيشون هم أيضاً في تلك الديار مجردين في الواقع من أبسط مظاهر الكرامة والشخصية الاعتبارية والوطنية.. التي أدركتها جليا كسياسي خلال تلك الأشهر الكئيبة من إقامتي هناك، والتي، وعلى رغم مظاهر البذخ والرفاهية المطلقة التي عشتها آنذاك، إلا أنني وحينما فتشت عن ذاتي وعن هويتي وكرامتي الوطنية والشخصية، اكتشفت أنه لم يعد لها وجود علي لقد تبخرت تماما وصارت عدما، وأمر كهذا يعد حتميا لمن يقرر الانحناء أمام إغراءات وامتيازات لعبة العمالة والخيانة، فلا يحوز عندئذ أي ظفر، لا في حياته ولا في مماته أيضاً.

أترك تعليقاً

التعليقات