محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
قبل ثمان سنوات بالضبط وفي الثامن عشر من هذا الشهر تحديدا، مارس 2015 كان لدوي الرصاصات القليلة التي أودت فجأة بحياة الزميل العزيز الشهيد عبدالكريم الخيواني أمام منزله وعلى مرأى من زوجته وأطفاله وقعها الصادم والكارثي ليس فحسب على نفوسنا الملتاعة والمفجوعة بذلك الحدث المأساوي الجبان، وإنما حتى على مسار العملية الثورية الفتية لثورة 21 أيلول 2014، خصوصا وأن ما لا يعرفه الكثيرون في هذا الصدد يكمن في طبيعة الظروف الغامضة والمحيطة بزمان ومكان وتوقيت وأهداف عملية الاغتيال ذاتها وانعكاساتها السياسية على المشروع الوطني الثوري الفتي آنذاك.
صحيح أن جريمة اغتيال الخيواني تزامنت آنذاك مع جملة من الأحداث والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية العاصفة التي أحاطت بالثورة.. لعل أبرزها إلى جانب توسع نطاق العزلة السياسية الدولية المطبقة آنذاك على صنعاء والثورة معا، كخطوة تمهيدية للإعداد الفعلي لشن العدوان الفاشي الصهيو -أمريكي -سعودي -إماراتي على بلادنا والذي بدأ عمليا بعد أسبوع واحد فقط على جريمة اغتيال الخيواني، أي عشية السادس والعشرين من الشهر ذاته مارس 2015، إلا أن الغموض الذي لايزال يكتنف حتى اللحظة هوية الأطراف الضالعة فعليا في عملية الاغتيال.. لايزال يضع أمامنا جملة من الأسئلة الحائرة والملحة حول هوية الآمرين والموجهين والمخططين والممولين والمستفيدين عموما من رحيل الخيواني وفي ذلك التوقيت بالذات، وهل هم من داخل الثورة ذاتها أم من خارجها؟!
خصوصا وأن الأمر غير المعلن عنه تماما في هذا الصدد يكمن في أن اغتيال الخيواني، وفي ذلك اليوم والتوقيت بالذات، جاء في لحظة مفصلية هامة من مسار العملية الثورية، حيث كانت اللجنة الثورية العليا الحاكمة آنذاك، وبصفتي عضوا فيها، قد أقرت وبغالبية أصوات، وعقب اجتماع عاصف ومشحون بالمشادات الكلامية، ضم الشهيد آنذاك، الصيغة النهائية التي توصلت إليها اللجنة المكلفة برئاسة الشهيد عبدالكريم الخيواني والخاصة بتشكيل المجلس الوطني الانتقالي (البرلمان الثوري) كخطوة محورية أولى نحو مأسسة الدولة وتوسيع أطر الشراكة الوطنية الفاعلة التي شكلت ولاتزال تشكل لب أهدافنا الثورية، وهي الخطوة -أي تشكيل المجلس الوطني الانتقالي- التي لم تشهد النور البتة، كون عملية الاغتيال التي استهدفت الخيواني تمت بعد أقل من ساعة واحدة فقط على إقرار اللجنة الثورية صيغته النهائية، وأقل من ساعة أيضا على مغادرة الشهيد (رحمه الله) صبيحة ذلك اليوم مجمع رئاسة الجمهورية بصنعاء وعقب اختتام اجتماعنا معه والذي كان الاجتماع الأول من نوعه كما أنه الأخير أيضا الذي جمع أعضاء الثورية العليا بالشهيد.
وكأن المسعى الرئيسي من وراء تصفية الخيواني كان يهدف في المقام الأول إلى تعطيل المسعى المؤسسي لثورة الـ21 من أيلول وإعاقتها من تثبيت أقدامها على الصعيد السياسي المؤسسي وعلى المستوى الجماهيري الشعبي أيضا.. بغية إبقائها -أي الثورة- رهنا بأمزجة أثوار الثورة من راديكاليي اللجان الثورية ومتصوفيهم.. الذين بشروا بالطبع ومن لحظة سقوط الخيواني مضرجا بدمائه.. ودون إفساح المجال حتى لإجراء تحقيق مهني جنائي شفاف لمعرفة الحقيقة بضلوع "الدواعش" في تلك المأساة كمتهمين رئيسيين بدم الخيواني، رغم أنهم -أي "الدواعش"- لم يكونوا حاضرين أو مشاركين معنا اجتماعاتنا ورؤانا الثورية وخططنا المستقبلية، مع الإشارة في هذا الصدد الى أن خطة الاجتماع الذي كرس صبيحة ذلك اليوم لمناقشة الصيغة النهائية لتشكيل المجلس الوطني مع الخيواني اتسمت بقدر عال من الحيطة والحذر والسرية التي شملتنا حتى نحن أعضاء "الثورية العليا" الذين لم نحط علما بفحوى ومضمون الاجتماع إلا عقب وصولنا مجمع رئاسة الجمهورية، وقبل لحظات فقط من بدء المناقشة.
عمـــومـــاً، أستطـــيع القــــــول ودون التطــــرق لمزيد من التفاصيل في هذه المسألة، إن الأمر المؤسف والمبكي حقا في هذا الشأن يكمن في أن الشهيد عبدالكريم الخيواني قد اغتيل مرتين، مرة حينما انتزعت روحه غيلة بطلقات القتلة والمأجورين، والأخرى من خلال تمجيدنا الهلامي لذكراه على حساب الحقيقة ذاتها التي يبدو أنها دفنت مع جثمانه وإلى الأبد.
ومثلما عاش الخيواني في السابق وفي عهد ديكتاتورية صالح مهاناً ومسحوقاً وبلا أبسط الحقوق بسبب الحكم الفردي وتداعياته على الحقوق والحريات، فقد دفع حياته أيضا بنفس الطريقة المهينة، ولكن هذه المرة باسم الثورة في سياق نضاله الدؤوب الذي لم يفتر يوما في مقارعة الظلم والجريمة والاستبداد. 


الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع  عن الأحرار السود في اليمن ـ  رئيس قطاع الحقوق والحريات  في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات