محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
من يتابع وبإمعان تحليلي برامج القناة "الجمهورية" التابعة لفتى الإمارات طارق عفاش سيكتشف سعي هذا المهرج لترويج نفسه ليس فحسب بوصفه حامي حمى الجمهورية كما يدعي، بقدر ما يجتهد في تقديم نفسه كوريث فعلي ووحيد لعمه الراحل وولي نعمته الرئيس صالح وللأسرة العفاشية إجمالاً حتى على حساب أبناء عمومته (أحمد علي وأشقاءه) إن جاز التعبير.
لكن ما لا يفهمه هذا "البعم" المفصل على مقاس طحنون بن زايد هو أن عمه "صالح" الذي يطمح لتفيد إرثه وشخصيته لا يشبهه في شيء البتة، فالرئيس صالح ورغم كل مساوئه التاريخية في الحكم بشقيه (الشطري والوحدوي) كانت له حسناته أيضا التي لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، منها معتقداته الوحدوية التي وإن أصابها بأضرار جسيمة بسسب نزعاته الديكتاتورية والاستحواذية، إلا أنها، أي الوحدة، تظل محسوبة له. بالإضافة إلى ذلك أيضاً، وهذا هو المهم، أن عمالته لبعض القوى الخارجية، وإن وجدت في بعض مراحل حكمه الممتدة لثلاثة عقود ونيف، فإنها غالباً ما كانت مبطنة ومفصلة أساساً على مقاس صالح ذاته، وليس على مقاسات الآخرين، بالنظر إلى براعته السياسية في توظيف مجمل علاقاته الخارجية، وخصوصاً تلك المدرجة تحت بند الشبهة والعمالة لتعزيز حكمه، وليس للإضرار بالسيادة والكرامة الوطنية، وذلك خلافاً لما هو عليه حال طارق عفاش الذي لا يرتقي إلى مستوى كونه حذاءً إماراتياً، حتى وإن اتسم في الوقت الراهن بنوع من المتانة الصنعية إلا أنه في طور الاستهلاك الذي سينتهي به ولا شك مرمياً في مزبلة التاريخ.
فطارق عفاش، الذي غادر صنعاء متخفيا بعباءة نسائية عقب أحداث كانون الثاني/ ديسمبر 2017 بادر من فوره إلى تقمص الدور ذاته الذي تقمصه عمه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح قبل ذلك بحوالى 39 عاماً حينما ارتدى قميص عثمان تنديداً بمقتل الرئيس الغشمي بدواعي الوطنية والثأر من الجبهة القومية، وهو ما أوصله في نهاية المطاف إلى سدة الرئاسة بعد حوالى 23 يوماً فقط على مقتل سلفه الغشمي، وهو الدور الذي دأب طارق عفاش على لعبه منذ فراره من صنعاء، من خلال تباكيه المصطنع على عمه صالح وتوظيف إرثه وذكراه بدواعي الثأر والدفاع عن الجمهورية، وهو ما مكنه في حقيقة الأمر من استقطاب عدد كبير من الشخصيات السياسية والعسكرية والاعتبارية والمدنية الموالية بشكل أعمى لنظام الرئيس الراحل صالح، والزج بهم في مستنقع العمالة والتبعية.
وإن كانت مشكلة طارق الرئيسية في هذا السياق تكمن في أنه وخلافاً لعمه الرئيس صالح الذي أجاد ببراعة توظيف الإملاءات الخارجية التي كانت تنشأ في حالات كتلك لصالح تعزيز قبضته على الحكم دون الإضرار بمعتقداته الوطنية وبصورته كزعيم وطني ووحدوي... إلخ، فإن عمالته لمهرجي أبوظبي بلغت أدنى مراتب الضعة والابتذال والتبعية والارتزاق المجرد من كل القيم الوطنية والدينية والشخصية والأخلاقية، إلى حد أنه لا يستطيع حتى مداعبة نفسه على طريقة "مثليي الجنس" دون إذن أسياده في أبوظبي.
ولا أزال أتذكر بوضوح بعض الكلمات التي أسرّ لي بها العميد الركن عبدالملك الأبيض (رحمة الرب تغشاه)، الذي جمعتني به علاقات شخصية وثيقة، والذي شغل لقرابة العامين ونيف منصب رئيس غرفة العمليات المشتركة لما تسمى "ألوية العمالقة" التابعة لطارق عفاش في الساحل الغربي، حيث كان العميد الأبيض من أوائل المخدوعين بدعوات طارق عفاش المزينة برتوش الوطنية، وذلك قبل أن يتنبه لفخ العمالة والارتزاق الذي جرهم إليه ويقرر العودة بمعية عائلته إلى الحاضنة الوطنية (صنعاء) في العام 2020 تقريبا. وكان مما قاله لي آنذاك العميد عبدالملك الأبيض أثناء جلسة مقبل جمعتني به في منزله المستأجر بمدينة التربة (مسقط رأسي أنا) بما معناه: "نحن حالياً في الساحل الغربي يا أخ محمد نقوض كل ما قاتلنا وضحينا وعشنا من أجله وفي سبيله، فنحن مجرد عبيد تابعين للإمارات لا أكثر، فيما المهام والقضايا الرئيسية التي استدعينا للخدمة على أساسها والمتمثلة في الثأر للزعيم صالح والدفاع على الجمهورية تبين أنها مجرد هراء وشعارات تم توظيفها فقط لخداعنا واللعب على حبل عواطفنا، لدرجة أنه يحظر علينا حتى مجرد التحدث بأريحية عن الرئيس صالح أو رفع وتعليق صوره في مكاتبنا وعلى سياراتنا وأسوار معسكراتنا، بحجة أن مثل هذا الأمر سيشكل إزعاجا لباقي الألوية المحسوبة على الحراكين التهامي والجنوبي المنضوين ضمن ألوية العمالقة في الساحل الغربي، فيما تنوء حياتنا في الساحل الغربي بصور أبناء زايد وبلافتات الشكر والمدح والثناء لهم... إلخ".
وقبل أسابيع قليلة فقط من عودته إلى صنعاء أسر لي العميد عبدالملك الأبيض أنه بات يخشى على حياته ويتوقع التصفية من قبل طارق وزمرته بسبب تمسكه بآرائه حول المسائل التي كان يفترض بهم القتال في سبيلها.
في النهاية، ومع حالة التخبط والاحتضار التي يعيشها مرتزقة هادي والخونج وأسيادهم في التحالف جراء الانكسارات العسكرية الماحقة التي تجرعوها خلال الأشهر الفائتة في جبهات الجنوب والشرق (مأرب، وشبوة، والبيضاء)، الأمر الذي عزز السعي الإماراتي المحموم لتقزيم دور وحضور جنرال الرذيلة علي محسن الأحمر وأعوانه (حزب الخونج)، وخصوصاً في نطاق الحزام الجنوبي المحتل بغية تكريس البعد الانفصالي وجعله واقعاً، كان لا بد للإمارات في هذه الحالة من الدفع بمرتزقها "حامي حمى الجمهورية!!" طارق عفاش لحماية مشروعها التفكيكي في الجنوب عبر التوجه بجزء كبير من ألويته العسكرية من الساحل الغربي صوب الجنوب، وتحديداً شبوة والمهرة، في إطار الترتيبات الجارية من قبل تحالف الرذيلة لمرحلة ما بعد "سقوط" مأرب، وبما من شأنه وفي حال "سقوطها" كلياً بأيدي الجيش واللجان الشعبية تحويل سير ومسار المعركة وفق المخطط المرسوم سلفاً، عبر منحها صبغة المواجهة القائمة بين شمال وجنوب اليمن، وبما من شأنه تعزيز مساعي "القوميين الجنوبيين" (الانتقالي) بضرورة تحصين الجنوب أمام احتمالية تكرار الاجتياح الشمالي وبضرورة فك الارتباط واستعادة دولتهم، خصوصاً وأن دور وحضور طارق عفاش في الجنوب لم يتجاوز نطاق محافظة شبوة التي أعيد ترتيب وضعها الإداري والسلطوي المحلي بما يتماشى مع هذا المخطط التفكيكي، بالإضافة إلى محافظة المهرة البعيدة بآلاف الأميال عن متناول الحوثيين، ومع هذا لا يزال هذا المعتوه العفاشي يصر على أنه سيف وصمام أمان الجمهورية؛ فعن أي جمهورية يتحدث يا ترى؟!

أترك تعليقاً

التعليقات