محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
لم يبرع النظام السعودي في شيء أكثر من براعته وإبداعه وتفننه في الكذب، الكذب على الله، والكذب على نفسه وعلى شعبه وعلى جيرانه وعلى المجتمع الدولي ككل.
فمن كذبه المشين في تسويق مبررات حربه البربرية ضد بلادنا، عبر الادعاء تارة أن العدوان أتى استجابة لأهداف الجامعة العربية فيما يخص البند المتعلق بمبدأ الدفاع العربي المشترك، رغم عقم هذه الكذبة؛ كون هذا البند، الذي لم يطبق عملياً على الإطلاق منذ نشوء هذه الجامعة المشؤومة في العام 1955، لا يتم تفعيله أو العمل به إلا في حال تعرض إحدى الدول العربية الأعضاء لعدوان من دولة أو دول أجنبية، وليس في حال نشوب صراعات أهلية داخلية كما هو الحال في بلادنا...
إلى الادعاء تارة أخرى أن العدوان جاء كضرورة حتمية للدفاع عن الإسلام والمسلمين، وكأن الخطر المحيق بالإسلام والمسلمين موجود هنا في صنعاء، وليس في مناطق كالأراضي الفلسطينية المحتلة وبورما وأصقاع القارة الهندية وفي القارة الأوروبية المتحضرة، حيث باتت عصابات اليمين الديني والنازيين الجدد يشكلون الهاجس الوجودي الأخطر لكل ما يمت للإسلام والمسلمين بصلة، وحيث تشكل الاستثمارات النفطية والمالية السعودية والخليجية الهائلة في تلك البلدان إحدى أهم ركائز الاستقرار السياسي والاقتصادي لأنظمة الحكم القائمة فيها والمعادية بشدة للإسلام والمسلمين خفية وعلانية، من “تل أبيب” إلى أوروبا وغيرهما...
إلى الادعاء السعودي الأكثر وضاعة وابتذالا، والمتمثل في مزاعم السعي من خلال عدوانه الآثم على بلادنا إلى الدفاع عن كرامة الشعب اليمني وأمنه وصون استقلاله ووحدته شعباً وأرضاً، كما أوضح ذلك في بداية العدوان ملك مملكة الرذيلة سلمان بن عبدالعزيز في قمة شرم الشيخ المصرية، حينما أشار في خطابه إلى أن الحملة العسكرية التي تقودها بلاده ضدَّ من وصفهم بالمليشيات الحوثية في اليمن ستستمر حتى تصبح البلاد “مستقرة وآمنة وموحدة”...
هذا الأمر يضع جملة من علامات الاستفهام حول النتائج التي حصدها الشعب اليمني، وخصوصاً أولئك الدائرين في فلك العدوان والمسبحين بحمده ليل نهار، على هذا الصعيد فمثلما هو حال الكرامة اليمنية، وبالذات 
كرامة المرتزقة، التي تحولت إلى رواسب قذارة عالقة في أحذية أركان النظام السعودي، كذلك السيادة الوطنية التي تآكلت بفعل “مثالية” نظام بني سعود وحلفائه تجاه شعبنا وبلادنا، إلى حد أن ما تبقى منها في المناطق والمحافظات الخاضعة للسلطة الثورية بقيادة أنصار الله لا تزال عرضة لخطر الاغتصاب والتآكل لولا عزيمة المستبسلين في الدفاع عنها من مقاتلي الجيش واللجان الشعبية.
فمن مطار الغيضة، الذي كان قد تحول منذ العام 2018 إلى قاعدة عسكرية سعودية، والذي سارعت الرياض مؤخراً، وبعد استشعار فشل مشروعها العسكري التام في بلادنا لتحويله إلى قاعدة تدريب وتمركز عسكري لقوات أجنبية تضم ضباطاً ووحدات عسكرية أمريكية - بريطانية - “إسرائيلية”، في خطوة استباقية سعودية لإحداث تغييرات ووقائع جديدة على الأرض تتيح لها مستقبلاً تحقيق أطماعها التاريخية في محافظة المهرة، والمتمثلة في فرض هيمنتها الوجودية على أراضي المحافظة الواقعة على بحر العرب، ثم شق قناة بحرية عبر أراضيها لإيجاد منفذ مائي يتيح لها تصدير نفطها بحرية من خلاله بعيداً عن مضيق هرمز المسيطر عليه من قبل جمهورية إيران الإسلامية، وهو الوضع ذاته القائم وبشكل أسوأ ربما في أرخبيل سقطرى المحتل من قبل دولة الإمارات، والذي لم يعد حتى بمقدور المواطنين اليمنيين دخوله إلا بتأشيرة إماراتية بعد أن تحول إلى قاعدة لتواجد عسكري إماراتي - “إسرائيلي” دائم، رغم بعدهما، أي المهرة وسقطرى، بآلاف الأميال عن خطوط تماس “معركة الدفاع المقدس عن العروبة والإسلام” التي شنتها دولتا الاحتلال (السعودية والإمارات) ضد بلادنا تحت هذا العنوان.
هذا في حين لم يتبق من مشروع الوحدة اليمنية (رحمها الله) سوى ذكراها فقط، بعد أن نجح المعتدون (الرياض وأبوظبي) ومن خلال مشروعهم “الدفاعي عنها” في محقها كليا وتقويض كل أسسها وبنيانها.
فالوحدة اليمنية التي ظل السعوديون ينظرون إليها وعلى امتداد تاريخهم الوجودي المشؤوم بوصفها تهديداً مباشراً لأمنهم القومي والوجودي، ستحتاج إلى وقت وإلى تضحيات جمة مستقبلاً للحفاظ عليها وإعادة صقل روحها الوطنية والقومية، بالنظر إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بها جراء المشروع العدواني الذي هدف في المقام الأول إلى تفكيكها هيكليا عبر إيقاظ النعرات الانقسامية والقومية في صفوف أعداء الوحدة المحليين من عملاء ومرتزقة على غرار “الانتقالي الجنوبي” والنخب المليشياوية المختلفة، وتنظيمهم وتدريبهم وتسليحهم، ومدهم بأسباب القوة الكفيلة بجعل مخاطر الانقسام الوطني حقيقة قائمة وخطراً داهماً حتى في حال انتهت الحرب.
والمشكلة الأسوأ إزاء كل ما حدث ويحدث لوطننا المكلوم من قبل جحافل العدوان، أن الأغلبية المطلقة من طوابير العملاء المحليين والمرتزقة لا يزالون على إيمانهم الراسخ بنقاء المشروع الأخوي التحريري لمهرجي الرياض وأبوظبي تجاههم وتجاه شعبنا وبلادنا.
في النهاية، فإن مسائل جوهرية، كالوحدة والسيادة والكرامة الوطنية، ورغم كل ما شابها من جور وتدنيس، إلا أن النضال في سبيل استعادتها يظل هدفاً أسمى ومقدساً، طالما بقيت فينا روح وطنية نابضة ووثابة، وهو ما لم يدركه منذ البداية جلاوزة العدوان الذين استخفوا بقدرات خصمهم الأيديولوجي، حينما تعاملوا مع “الحوثيين” بوصفهم “مليشيا” وليسو لاعبين وطنيين يستمدون مشروعهم الكفاحي من جذور وطنية مغروسة وراسخة في صميم هويتنا وكبريائنا الوطني بدرجة تجعل من إمكانية إلحاق الهزيمة بهم، سواء بالتدخل الخارجي السافر أم بغيره، أمراً مستبعداً، لاسيما بالنظر إلى الدعم الشعبي الذي يحظون به والكفيل بسحل وسحق كل المشاريع التآمرية مهما كبرت وتعددت مشاربها.

أترك تعليقاً

التعليقات