التربة.. مؤشرات صراع المرتزقة
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
صبيحة يوم الأحد الفائت، 25 أيلول/ سبتمبر، وبالتوازي مع الذكرى الستين لثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962، آفاق أبناء مدينة التربة على دوي انفجار هائل نجم عن انفجار عبوة ناسفة كانت مزروعة بجانب الطريق الإسفلتي عند مدخل المدينة الرئيسي، لتنفجر في حافلة ركاب تقل مواطنين عاديين، وفي حدث مأساوي نجم عنه مقتل أحد الركاب على الفور وإصابة تسعة آخرين إصابات بليغة وحرجة، بعضهم قد لا ينجون بحسب إفادة الأطباء في مستشفى المدينة الذين أوصوا بنقلهم على الفور إلى مستشفيات مدينة تعز.

وبالطبع، فإن انفجار العبوة الناسفة وفي هذا التوقيت بالذات يؤشر بشكل واضح وجلي إلى أن المنطقة مقبلة على موجة من الصراع الدموي العنيف بين مكونات المرتزقة؛ أتباع الإمارات من جهة، وأتباع الرياض وأنقرة، أي حزب الإصلاح وأعوانه من جهة أخرى، وذلك في إطار تصفية الحسابات العالقة فيما بينهم، ولإعادة ترتيب أوراق النفوذ وفق التوجهات الاستراتيجية الراهنة لجلاوزة العدوان.
فالصراع قادم -إذن- لا محالة، وهو يختمر كل يوم، وتنبعث روائحه ومؤشراته بقوة، وبما يتوافق وحجم التغيرات الحاصلة في استراتيجيات وأمزجة أصنام التحالف الصهيو - سعودي - إماراتي- أمريكي، والرامية لفرض واستحداث معادلة سياسية جديدة قائمة على التوازنات في محيط مرتزقتهم الكثر، وبما يتيح لهم إمكانية الخروج الآمن والمشرف نوعاً ما من مستنقعهم في اليمن، العالقين فيه دون فكاك.
ومثل هذه المعادلة باتت تستلزم على ما يبدو، وبحسب الأحداث الأخيرة المتلاحقة، ضرورة نبذ وتقزيم وإقصاء أول الأبواق الداعية لتدخلهم في بلادنا (حزب الإصلاح الخونجي) وتجريده عملياً من كل مقومات النفوذ والشراكة والتأثير والمشاركة في تقاسم ما تبقى من فتات وغنائم هذا الوطن المكلوم بجحود أبنائه ونكرانهم، ما يعني أن الدائرة دارت وتدور حالياً وبقوة على رأس إخوان الرذيلة، وليس فقط في مناطق الحزام الجنوبي المحتل، على غرار ما حدث الشهر الفائت في محافظة شبوة السليبة أو ما يعد له حالياً في هذا السياق في محافظتي أبين وحضرموت، وإنما في مختلف مناطق نفوذهم الحيوية، شمالاً وجنوباً إن جاز التعبير.
كما أنه مؤشر واضح وجلي إلى أن حظوظ المطاوعة وصلاحياتهم في نظر أسيادهم باتت في حكم المنتهية من الناحية الفعلية، وأن عليهم، كجماعة، وكحزب سيئ الصيت، وبغض النظر عن تميزهم بكونهم من أبرز الأبواق الداعية والمؤيدة والمشرعنة لتدخل جلاوزة التحالف في بلادنا، أن يدفعوا اليوم وبالمجان ثمن إفكهم وعمالتهم وجرائمهم المرتكبة بحق الشعب والوطن، بصورة قد تطال وجودهم وكيانهم ومستقبلهم السياسي والحركي إجمالاً، فالمتغيرات لم تعد في صالحهم.
كما أن حضورهم في المشهدين السياسي والمليشياوي بات يشكل إحدى أحجار العثرة الرئيسية في تنفيذ أجندة أسيادهم في التحالف، استناداً إلى جملة من الأسباب والعوامل، أبرزها إلى جانب التباين الحاد في الرؤى والأهداف ما بين جماعة حزب الخونج وأسيادهم في الرياض، كذلك الجمود شبه الكلي الذي يعتري من ناحية أخرى علاقتهم السياسية بأسيادهم في أبوظبي، بالإضافة إلى انحسار قابليتهم لدى الشارع الشعبي وافتقارهم في المقام الأول للمرونة السياسية والقدرة على التكيف والشراكة المتوازنة مع باقي مكونات المرتزقة.
وكلها أسباب وعوامل جعلت مصير الخونج رهنا ليس فحسب بنتائج الحرب الكارثية بالنسبة للمرتزقة وأسيادهم في التحالف، وإنما بما ستؤول إليه مشاريع التسوية السياسية مستقبلاً، إن قدر لها أن تتحقق، خصوصاً وأن معضلة الخونج لا تتوقف فقط عند حدود استهدافهم العلني، سواء من قبل رعاتهم وأسيادهم في التحالف أو من قبل شركائهم في مربع العمالة والارتزاق (مجلس رشاد العليمي وباقي المكونات الدائرة في الفلك نفسه)، بقدر ما تكمن وفي جانبها الأعم بالمردود الكارثي لسياستهم اللصوصية والقمعية والاستحواذية المريضة.
صحيح أن حزب الخونج اعتاد خلال أغلب مراحل وجوده الحركي تنفيذ أجندته بواسطة الغير، عبر اختبائه خلف أطراف وتكتلات سياسية أخرى، كما كان عليه الحال إبان تحالفه مع نظام صالح قبل أن ينتقل بعد حرب صيف 1994 للانضواء تحت لواء تكتل أحزاب المشترك، وصولاً في نهاية المطاف إلى تبنيه العام الفائت تحديداً مشروع ما سمي بـ"التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية" كتكتل مناهض لـ"الانتقالي الجنوبي"، إلا أن قادته ومنظريه تصرفوا هذه المرة وخلال سني الحرب الراهنة تحديداً، وبالارتكاز على دعم وسخاء أسيادهم في التحالف وعلى مليشياتهم المبندقة المنتشرة في مجمل المناطق التي يهيمنون عليها بوصفهم حزبا حاكما، مقدمين بذلك -وما زالوا حتى اللحظة- أسوأ نماذج الحكم القمعي واللصوصي بنمطه المافيوي والإجرامي المشاع، الأمر الذي جردهم تماماً من كل مظاهر ومقومات الدعم والإسناد والتعاطف الشعبي والمجتمعي في مجمل المناطق، سواء تلك التي لا يزالون يهيمنون عليها أو التي انتزعت منهم بالقوة، ما يعني أنهم باتوا وحيدين في معركتهم المصيرية تلك وفي حروبهم الجانبية المتعددة مع شركائهم المفترضين في مستنقع العمالة.
وعموماً، يمكن القول إن هزائم حزب الخونج المتوالية، على غرار ما حدث في شبوة وغيرها، أسهمت بدرجة رئيسية ليس فحسب في تعزيز شعور الضعف لدى الخونج، وإنما أيضاً في استعار حالة الغليان والتربص الاجتماعي الذي يستهدفهم من قبل مختلف القوى الجماهيرية والمجموعات المحلية في شتى المناطق التي لا يزالون يهيمنون على مفاصل السلطة فيها، والتي باتت تعيش جراء مظالم وبلطجة المطاوعة حالة من الاستنفار والتربص الفعلي في انتظار اللحظة المواتية للانقضاض عليهم ومحوهم من خارطة الوجود الاجتماعي.
إذن، والحال هكذا، فما علينا سوى الترقب في انتظار لحظة الخلاص ليس فقط من هذا الورم الخونجي الخبيث المتفشي في بدن الأمة، وإنما من دنس الزيف والعمالة والارتزاق.

أترك تعليقاً

التعليقات