محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
صادف يوم الاثنين (22 أيار/ مايو) حلول الذكرى الثالثة والثلاثين لقيام الوحدة اليمنية، والتي قدر لها أن تمر في خضم المد الرجعي والتآمري الراهن، أشبه ما تكون بذكرى يتيمة وقاحلة ومحنطة ومشيعة بالذم والجحود والنكران، لدرجة أنها لم تحظَ في أروقة ومنابر وأدبيات نظام المرتزقة (مجلس رشاد العليمي) ولو بجزء ضئيل من ذلك الألق والهالة الترحيبية والتبشيرية التي تحظى بها عادة لحظات العناق التآمري التي تجمع على سبيل المثال طحنون بن زايد بفتاه المدلل عيدروس الزبيدي، أو تلك التي تجمع الفتى محمد بن سلمان بمحظيته رشاد العليمي... الخ.
وأمر كهذا يعد بديهياً؛ كون المزاج التأبيني الذي شاب ذكراها المقدسة (أي الوحدة) هو ذاته المزاج المنسجم بشكل عضوي ووثيق مع بواعث وأهداف المشروع العدواني التفكيكي الذي يستهدف شعبنا من قبل الامبريالية العالمية والرجعية العربية في الخليج وأدواتها المحلية.
عموما أستطيع القول بأن طفرة الردة الماضيوية تلك لم تقلل بأي حال من أهمية تلك الذكرى وحضورها في حياتنا كيمنيين، بقدر ما حفزتنا فقط على التساؤل حول مصير ومستقبل العملية الوحدوية ذاتها، في ظل المخاطر والتحديات المتنامية التي أنتجها وخلفها تحالف العدوان على هذا الصعيد، وهل سيكون في مقدور القوى الانفصالية الدائرة في فلك العدوان وأبوظبي تحديدا السير قدما بمشروعها التفكيكي؟!
قطعاً لا؛  لأن الإمعان بموضوعية فاحصة لمسار الأحداث التراكمي على هذا الصعيد خلال سنوات العدوان الراهنة يؤكد وبشكل قاطع أن المشروع الانفصالي ذاته غير متماسك البتة، نظرا لافتقاره التام من ناحية أولى للمشروعية السياسية داخليا وخارجيا، وللبوصلة التنظيمية المتينة ببرنامجها السياسي والوطني والقومي الفعال، عدا عن افتقارهم أيضا وبصورة ملحوظة للكتلة الاجتماعية الداعمة والمتماسكة والمؤثرة المفترض توافرها كشرط أساسي لإنجاح أي مسعى قومي من هذا القبيل.
بالإضافة إلى ذلك، وهذا هو الأهم، افتقار دعاة المشروع الانفصالي ذاتهم وبصورة تامة للرؤية المطلبية والمنهجية الثابتة والمرتكزة على المنطق الجدلي والنقدي السليم والكفيل بإقناع العالم من حولهم في الداخل والخارج بصوابية نهجهم الانكفائي، عوضا عن تلك الصورة النمطية والمبتذلة المشحونة بكل صنوف الحقد والعداء والكراهية والتطرف القومي الأعمى المصوب ضد مواطني الشمال، والذي ميز أداءهم السياسي والدعائي والحركي (انتقاليي الجنوب) على امتداد تاريخهم الوجودي المنبثق من رحم العدوان.
هذا الأمر يؤكد بوضوح أن فكرة ومشروع الانفصال ذاته لا يعدو كونه مجرد زوبعة سياسية، ومجرد مزاج محدد تغلغل في صفوف فئة سياسية وحركية انتهازية وعميلة تسعى لبناء أمجادها الشخصية على حساب الشعب اليمني وأمنه وسلامته ووحدته ومستقبله.
فانتقالي عيدروس الزبيدي وشلته، الذي يعد من الناحية الحركية والتبشيرية ركيزة المشروع الانفصالي، لا يفرض سيطرته الكاملة والمطلقة على محافظات الحزام الجنوبي كافة، وهو الحال ذاته المنطبق أيضا على افتقاره الواضح لتلاحم القاعدة الاجتماعية والجماهيرية المفككة من حوله في النطاق الجنوبي والمنقسمة في ولاءاتها بين الداخل والخارج، ما يعني أن النطاق الديمغرافي المهيمن عليه عمليا من قبلهم لا يتعدى في كل الأحوال إلى جانب عدن تخوم محافظة لحج وبعض أنحاء أرخبيل سقطرى، بالإضافة إلى افتقاره شبه المؤكد كما أسلفنا للإمكانات الجغرافية والطاقات الاجتماعية الثورية اللازمة لإنجاح مسعاه التفكيكي التآمري المشؤوم.
وهذا الأمر يتعارض من الناحية المنهجية والموضوعية مع طبيعة احتفائهم الأخير (أي القوميين الجنوبيين) بذكرى إعلان فك الارتباط الذي أعلنه الرئيس علي سالم البيض في 21 أيار/ مايو 1994؛ كون مثل هذا الاحتفاء الانهزامي يأتي في سياق الرواج الواسع للدعوات الانفصالية المحصورة في أدواتها النخبويّة والمنبريّة الموجهة خارجيا، وليس استجابة لرغبة شعبية قومية جنوبية عارمة كما يزعمون وجاهزة للانعتاق من اللحمة الوحدوية.
المشكلة الرئيسية هنا، والتي لا مفر من الإقرار بها، تكمن في أن مأساة الوحدة اليمنية ظلت ولا تزال، ومنذ نشأتها كفكرة وكهدف وطني استراتيجي إبان مراحل النضال الوطني الشاق لتحقيقها منذ أواخر ستينيات القرن الفائت، رهينة المصالح والتجاذبات السياسية والأيديولوجية والطبقية ومناورات الفئات الرجعية النافذة والمهيمنة على ناصية القرار السياسي والمتعاقبة على حكم البلاد، والتي أسهمت من خلال مركزتها للحكم في تأخير إنضاج الوعي الطبقي والاجتماعي، الذي سيخضع قريبا دون شك للاختبار الفعلي (أي الوعي الاجتماعي المفترض) حول مدى القدرة والفاعلية لدى الجماهيرية الشعبية في الدفاع عن إرثها القومي والوطني، المتمثل في الوحدة، التي ضحى آباؤهم وأجدادهم بالغالي والنفيس لتحقيقها.
وللحديث بقية...

أترك تعليقاً

التعليقات