محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
من الملاحظ أنه ومنذ بداية العدوان، وكلما اشتد وطيس المقاومة، وأقصد هنا المقاومة الوطنية الحقيقية، وليست تلك المزينة برتوش العمالة والمتخمة بأموال النفط الخليجي، في مقارعة العدوان وأذنابه، وكلما توسعت انتصارات مقاتلي الجيش واللجان الشعبية في مختلف جبهات المواجهة في الداخل الوطني، وكلما توالت هجمات الصواريخ الباليستية المزينة بشعارات الصرخة على العمق السعودي، تصاعدت حدة الاتهامات والأكاذيب الكيدية المروجة من قبل إعلام وسياسيي التحالف وأعوانه حول مزاعم التورط المباشر لكل من إيران وحزب الله في إدارة دفة المواجهة معهم في الداخل والخارج.
مع أن الثابت تماماً في هذا الصدد يكمن في أنه ومنذ بداية العدوان لم يتسن لأي منا رؤية أي إيراني أو لبناني واحد يجول في شوارع عاصمتنا أو مدننا المحررة ويشاركوننا موائدنا واجتماعاتنا، قياساً بمرأى تلك الوجوه العديدة والمتنوعة التي مللنا في الواقع مشاهدتها لجحافل المقاتلين المرتزقة الأجانب الذين جلبتهم دول التحالف، وتحديدا السعودية والإمارات، منذ لحظات عدوانها الأولى على بلادنا من مختلف الأعراق والقوميات ومن شتى أصقاع المعمورة لمحاربة الشعب اليمني، على غرار مرتزقة «بلاك ووتر» والسودانيين والمصريين والأردنيين والأمريكان والكولومبيين ومن جمهوريات أمريكا اللاتينية كالبيرو والسلفادور وتشيلي، وانتهاءً بالصهاينة الذين ثبت وبشكل قاطع تورطهم في مهام العمليات الجوية لعدوان التحالف ضد بلادنا، وخصوصاً خلال الأشهر الأولى من الحرب.
ولعلنا لا نزال نتذكر بوضوح حجم ونوعية جرائم الانتهاك المروعة التي مورست بانتظام ضد المدنيين من قبل هؤلاء المرتزقة الأجانب والمحسوبين أساساً على دويلة الإمارات، على غرار تعرض فتاة من الخوخة العام 2017 للاغتصاب على أيدي جنود سودانيين في مسلسل من جرائم الحرب المرتكبة والمتواترة التي لا يتسع المجال هنا لسرد تفاصيلها.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن اتكال مهرجي الرياض وأبوظبي تحديداً على جحافل المرتزقة لم يكن وليد لحظة العدوان ضد بلادنا، وإنما بدأ بشكل مبكر قليلاً، وقبل أكثر من عقد تحديداً، مع تنامي موجة الغضب الجماهيري الشعبي العربي فيما سمي آنذاك «ثورات الربيع» التي اجتاحت المنطقة العربية، والتي دفعت كلا من الإمارات والسعودية تحديداً، مع تنامي مشاعر القلق العارمة التي انتابتهم حيال احتمالية تعرض أنظمتهم المشيخية المتآكلة لطوفان الغضب الشعبي، إلى جعل مسألة تجنيد وتوظيف جحافل المرتزقة الأجانب من ذوي الخبرات والماضي العسكري أولوية قصوى في سياساتهم القومية، بغية الاستعانة بخبراتهم القتالية والحربية لوأد أي تحركات ثورية محتملة قد تنشب على صعيد شعوبهم ومجتمعاتهم المحلية، ولدعم كل أشكال الثورات المضادة الناشئة، وخصوصا في الدول التي طالتها موجات «الربيع العربي» بالصورة التي ترجموها واقعا في كل من اليمن وليبيا وتونس ومصر.
وعموماً، وبالاستناد إلى تلك الصورة النمطية إلى دأب مهرجي التحالف ولا يزالون على تعميمها حتى اللحظة على مستوى العالم أجمع، فإن «الحوثيين» من منظورهم ليسوا سوى «مليشيا انقلابية» غير منظمة، فيما حربهم الحقيقية قائمة في الأساس ووفق خطابهم الدعائي والسياسي مع قوى ذات قدرات عسكرية وتقنية ولوجستية جبارة، والمقصود هنا إيران وحزب الله، وهذا مرده بطبيعة الحال إلى فشلهم الذريع وعلى أكثر من صعيد.
الفشل، أولاً من إقرارهم الحتمي بحقيقة أن من يلحقون بهم تلك الهزائم والانكسارات العسكرية المتوالية كتحالف عسكري دولي وإقليمي ومحلي واسع وعريض بعديدهم وعدتهم، وبرغم الفارق الهائل أيضاً في الموارد والإمكانيات العسكرية والسياسية والمادية، هم أولئك الموصوفون بـ»المليشيا الحوثية»، وليسوا إيران وحزب الله، الذين يدرك مهرجو التحالف قبل غيرهم ألا وجود فعلي لهم على الأرض باستثناء التضامن السياسي والأخوي الذي أبدوه منذ بداية العدوان (أي إيران وحزب الله) مع إخوانهم المجني عليهم في اليمن من منطلق الروابط الأخوية والدينية.
والفشل، من ناحية أخرى من حتمية الإقرار بأن من يقاتلونهم على الأرض ليسوا في الواقع «مليشيا» كما يزعمون، بقدر ما هم قوة ثورية وطنية منظمة ومهيمنة تحظى بدعم وإسناد قطاعات واسعة من الشعب اليمني، وينؤون إلى جانب تصديهم الملحمي لجحافل العدوان بأعباء ومهام خلق التحولات الثورية المطلوبة للمجتمع الذي أوصلهم وبمختلف أطيافه إلى سدة السلطة السياسية في البلاد في أيلول/ سبتمبر 2014 عبر ثورة جماهيرية وشعبية عارمة أنتجتها في الأساس عوامل الفساد والتصدع والانحطاط واللصوصية والتآكل المناعي الذي طال شرف ومبادئ منظومة العمل الحزبي والسياسي التقليدي، وتحديداً منظومة «المشترك» التي أعقبت حكم الرئيس الراحل صالح، وليس على متن الدبابات الإيرانية وبوارج حزب الله «الانقلابية»، كما يزعم العدو.
في النهاية، يمكن القول إن مساعي جلاوزة التحالف لإقحام إيران وحزب الله في ورطتهم العبثية في اليمن لا تقف فحسب عند حدود تحميلهم تبعات فشلهم وإخفاقاتهم العسكرية المتوالية، بقدر ما تخفي في طياتها العديد من الأهداف والنوايا المبيتة ضد قطبي محور المقاومة، والتي يمكن استشرافها بوضوح من خلال الإمعان بموضوعية فاحصة في فحوى ومضامين تلك المؤتمرات الصحفية التي دأب جلاوزة التحالف على عقدها تباعاً في سياق مساعيهم الرامية لتجريم إيران وحزب الله، وإفراطهم في عرض الصور والفيديوهات المدبلجة التي توثق بحسب مزاعمهم قيام عناصر من «حزب الله» ومن إيران بتدريب أعضاء في الحركة «الحوثيّة» على إطلاق الطائرات المُسيّرة والصواريخ الباليستية، على غرار مقطع الفيديو الذي عرضه قبل أيام المتحدث العسكري باسم تحالف الرذيلة والذي زعم أنه يحوي مشاهد لمعمل تجميع للصواريخ الباليستية في الحديدة قبل أن يتضح أنه مقتطع من فيلم وثائقي أمريكي عن الغزو الأمريكي للعراق.
هذا الأمر يوضح تماماً حقيقة الأهداف والدوافع الكامنة خلف هذا المسعى التجريمي الكيدي المسعور الذي يستهدف إيران وحزب الله، وبالذات خلال هذه المرحلة المشحونة ببوادر التوتر الإقليمي والدولي فيما يخص علاقة إيران المتوترة أصلا مع الغرب، حيث تطغى لغة الويل والتهديدات العسكرية على الدبلوماسية السلسة في مفاوضات فيينا، وحيث كثر الحديث عن عُدوانٍ «إسرائيليّ» محتمل ضد الجمهورية الإسلامية بغض النظر عن نجاح مفاوضات فيينا أو فشلها.
وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك طبيعة الدور السعوديّ ـ الإماراتي ـ الخليجي المرسوم لوضع اللمسات المطلوبة على الصعيدين العربي والإسلامي لتهيئة شعوبه ومجتمعاته المحلية للقبول بفكرة وصوابية أي عدوان صهيوأمريكي مرتقب ومحتمل أيضاً ضد إيران وضد محور المقاومة بصفة عامة، بغية تدمير منشآتها النووية والتسليحية والحد من تعاظم قوتها ونفوذها الإقليمي، وخصوصاً مع تزامن هذا المسعى التجريمي من ناحية أخرى مع طبيعة الجهود التآمرية المحمومة التي تبذلها الرياض منذ فترة ليست بالقليلة على الصعيد اللبناني الداخلي عبر قيامها بتأليب حُلفائها المحليين على غرار الحريري وجعجع لإشعال فتيل حرب أهليّة بهدف عزل حزب الله أولاً داخل محيطه الوطني اللبناني، ثم إضعافه كجزء حيوي يحسب له حسابه في محور المقاومة.

أترك تعليقاً

التعليقات