محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
في قصر المربع بالرياض كان حضور الأشقاء الجدد/ القدامى لابن سلمان والوافدين من "الشقيقة أورشليم" هو الزخرفة الحقيقية التي ازدان بها حفل افتتاح الدورة الخامسة والأربعين الموسعة للجنة التراث العالمي لليونسكو التي انعقدت في الـ10 من أيلول/ سبتمبر الجاري 2023، في عاصمة الخلافة الإسلامية الرشيدة؛ خلافة آل سلمان.
فالحضور "الإسرائيلي" المبهج عبر وفد مراقبيه المكون من تسعة دبلوماسيين مخضرمين برئاسة رئيس هيئة الآثار "الإسرائيلي"، لم يكن الهدف منه فحسب إشراك الشقيقة الأحدث لمعتمري الدشداشات "إسرائيل" في أحداث ومؤتمرات وفعاليات دولية متنوعة كتلك تمهيداً لترويض وتطويع المجتمعين العربي والإسلامي للقبول بواقع التطبيع والشراكة الحتمية المستقبلية مع "إسرائيل"، بقدر ما عكس ومن الناحية الأخرى العنوان الأبرز لتضاريس المرحلة المقبلة بكل تشعباتها وتداعياتها على مستقبل الحكم الملكي في الرياض أولا، وعلى نطاق العلاقات الإقليمية والدولية في منطقة الخليج الفارسي و"الشرق الأوسط" عموما.
فالتطبيع سائر ومنذ سنوات عدة وعلى قدم وساق بين الرياض و"تل أبيب". كما أن هذه ليست الزيارة الأولى من نوعها لوفد "إسرائيلي" رفيع إلى عاصمة الإسلام؛ إذ سبقها العديد من الزيارات واللقاءات الودية التي جمعت أولاد الخطيئة معا، حيث سبقها لقاء جمع محمد بن سلمان بسيده نتنياهو في طوكيو باليابان في الـ29 من حزيران/ يونيو 2019. وتبعه لقاء آخر بمدينة نيوم السعودية على البحر الأحمر في التاسع من شباط/ فبراير 2020 جمع كلا من السيد نتنياهو وابن سلمان أيضا، وبمشاركة مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك في إدارة دونالد ترامب، الأمر الذي يعكس بجلاء حقيقة أن ابن سلمان لم يعد يهتم بالآثار والنتائج السلبية المحتملة التي قد تترتب جراء نزوعه التطبيعي المتسارع مع الكيان الصهيوني، سواء تلك المتوقعة داخل المملكة نفسها، فيما يخص علاقة النظام بشعبه وبتركته الماضيوية المنبثقة عن رواسب فكره الأيديولوجي الجهادي المتطرف، بالإضافة أيضا إلى انعكاسات التطبيع المحتملة على مستقبل علاقته كنظام حكم بمختلف التنظيمات الجهادية والتكفيرية التي أنشأها في المنطقة عموما لفرض أجندته الإخضاعية، أو تلك المتصلة بالدور والحضور القيادي للمملكة إن بقي منه شيء على المستوى العربي والإقليمي والعالمي، بقدر اهتمامه (أي ابن سلمان) بإيجاد حلفاء جدد يعتمد عليهم أولاً وقبل كل شيء في تأمين خلافته الانقلابية على الحكم في بلاده كهدف رئيسي يتربع على رأس دوافعه التطبيعية الأخرى العديدة والمتنوعة، منها ما يتعلق بمساعيه الرامية -كما أسلفنا- لتأمين خلافته الانقلابية على السلطة خلفا لوالده الذي يوشك على مغادرة عالمنا، والتي تواجه معارضة قوية في الداخل السعودي وعلى مستويات عدة منها الأسري الملكي، والشعبي، وحتى النخبوي أيضا، الأمر الذي يستوجب على ابن سلمان استباق مرحلة الانتقال هذه، بتوسيع نطاق تحالفاته العسكرية والأمنية والاستخباراتية حتى مع الشيطان ذاته.
أما بقية دوافعه التطبيعية فتكمن في دعم وإسناد تطلعاته التحديثية لإخراج المجتمع السعودي والمملكة عموما من نمط العيش الاستهلاكي الموروث، وتحويلها إلى قوة إقليمية منتجة ومؤثرة لها وزنها ودورها وحضورها، الأمر الذي سيتطلب منه تكريس كافة طاقات وإمكانيات بلاده، وكذا المزايا المتوقع تحصيلها من عملية التطبيع، لتخطي حواجز التخلف السعودي المتجذرة في مختلف الجوانب، الإنتاجية والاقتصادية والتقنية والعسكرية و... و... و... إلخ، بالصورة التي يمكن قياسها بجلاء من خلال الإمعان في فحوى الأهداف التطبيعية المعلنة من فتى الرياض المدلل محمد بن سلمان، والتي يأمل من خلالها التوصل إلى جملة من الاتفاقيات الحمائية، العسكرية منها والأمنية، المشتركة مع كلٍّ من واشنطن و"تل أبيب"، تتضمن الاتفاق على آليات حماية أمريكية - صهيونية ملزمة للتصدي لمختلف التهديدات الموجودة والمحتملة وحتى المستقبلية أيضا الماسة بأمن المملكة ومستقبل نظامها الأبوي البونابرتي شديد الهيمنة والتخلف.
كذلك ضمان موافقة قطبي التطبيع (واشنطن و"تل أبيب") على تزويد المملكة بأسلحة أمريكية و"إسرائيلية" متطورة، بالإضافة إلى ضمان موافقتهم أيضا على منح الرياض حق بناء برنامجها النووي الخاص بها، وإن للأغراض المدنية والسلمية، وهو أمر من المستبعد جدا حصوله من وجهة نظري؛ بالنظر في المقام الأول إلى مشاعر الريبة المتأصلة على الدوام في نفوس أشقائه الجدد في "أورشليم" حيال كل ما يتصل بالسحنة العربية، بالإضافة أيضا إلى الطبيعة الدكتاتورية الفردية للنظام الملكي السعودي، الأمر الذي لن يقبلوا على أساسه بأي شيء من شأنه تهديد وتقويض أمنهم مستقبلاً.
ويبقي الدافع الأبرز من وراء هذا التحالف التطبيعي المبطن سابقا والظاهر للعيان حاليا ما بين ابن سلمان ونتنياهو، كامنا في ميراث العلاقة غير الودية القائمة والموروثة ما بين الرياض من جهة، وأقطاب محور المقاومة ممثلة بكلٍّ من إيران وحزب الله اللبناني و"الحوثيين" في اليمن من جهة أخرى، باعتبارهم العدو الأول والخطر الداهم على المستقبل الوجودي لكلا الحليفين، الأمر الذي يعكس لهفتهما معا (الرياض وتل أبيب) وبرعاية أمريكية للسير حثيثا صوب الارتباط والتجانس التطبيعي الاندماجي التام، والذي يمكن أن يرتقي إلى ما يمكن وصفه برباط الزواج الكاثيوليكي المقدس الذي لا فكاك فيه.


* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن 
- رئيس قطاع الحقوق والحريات فــي 
الاتحاد الوطني للفئات المهمشة
 في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات