محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
(فبراير 2011.. مرت من هنا)
يوم الأحد 13 شباط/ فبراير احتفى رسمياً نظام تحالف "هادي- الإخوانج" العميل بالذكرى الحادية عشرة لثورة فبراير "الربيعية" 2011 التي نشبت في الأصل ضدهم قبل أن يتمكنوا من الالتفاف عليها وتفيدها حينما اعتمروا قبعتها بطريقة زائفة واحتيالية وضيعة ومبتذلة.
وبغض النظر عما آلت إليه أوضاع ثورة فبراير المغتصبة بعد عقد ونيف من نشوبها، إلا أن السؤال الأساسي يتمحور هنا حول: ما الذي تبقى منها أصلاً كي يحتفوا به؟!
فمن المعروف تماماً أنه وفي أغلب بلدان "الربيع العربي" وعلى رأسها اليمن طبعاً، لم تفض التغيرات الحاصلة في أنظمة الحكم الوطني إلى أية نتائج إيجابية ومثمرة على صعيد تمكين الأنواع والفئات الاجتماعية الأدنى والساعية للتغيير "أصحاب الثورة" بتحقيق أي من تطلعاتها السياسية والمدنية واكتساب فرصها العادلة للانخراط بفاعلية في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم بالصورة التي كانوا يأملونها حقاً، بل على العكس من ذلك تماماً، فها هي مصر السيسي عادت بقوة لاعتمار قبعة العمالة والرجعية المفصلة هذه المرة خليجياً على ضوء نجاح الانقلاب المضاد الذي هندسته ومولته كل من الرياض وأبوظبي العام 2004، مفضية عن تبوؤ دميتهم عبد الفتاح السيسي سدة السلطة السياسية عبر مهزلة انتخابية مرسومة ومعدة سلفاً وعلى النسق الانتخابي ذاته الذي أوصل قبلاً دميتهم المحلية الأفندم عبد ربه منصور هادي إلى سدة الحكم في بلادنا.
والوضع ذاته ينطبق أيضاً وبقوة على صاحبة المبادرة الأولى في إطلاق شرارة "الربيع العربي" الشقيقة تونس التي لم يعد هنالك أدنى شك في أن الامتهان (المختوم حالياً بالشمع الإماراتي) لم ينل فحسب من تجربتها الديمقراطية الوليدة من رحم الثورة الربيعية، بقدر ما نال أيضاً حتى من لغتها العربية التي باتت تئن بحسرة تحت وطأة خطب ومصطلحات الرئيس قيس سعيد، التي عادة ما تذكرني بحال معاناة اللغة العربية في بلادنا والممتهنة هي الأخرى من قبل أفندمنا هادي الذي لم يفلح في كل خطبه ومنذ تبوئه السلطة في التفريق حتى ما بين كلمتي: لم ولن، ولو من باب الرفق باللغة العربية وحفظ كرامتها.
أما نزيف الشعب الليبي فلم يتوقف على مدى الأحد عشر عاماً الفائتة من عمر الثورة بعد أن أغرقتهم وبلادهم دولارات النفط الإماراتي- السعودي- الخليجي بعشرات وربما مئات آلاف القتلة والمرتزقة المحليين على شاكلتي حفتر وعقيلة صالح، والأجانب المجلوبين من شتى أصقاع المعمورة.
أما على صعيد بلادنا اليمن، الموسومة زوراً بالسعادة، فإن "الثورة الربيعية" والتي بدت لوهلة وكأنها تشكل تجسيداً حياً لتطلعات القوى والطبقات الاجتماعية المظلومة والمغيبة، ومعياراً منهاجياً لتبيان طريق الحداثة والمستقبل أمامها على قاعدة التخطي الفعلي والمفترض لكل عوامل الفوضى والانقسام والتراتبية الاجتماعية الحادة في سبيل الظفر بكرامتها وهويتها المدنية والإنسانية، فإنها سرعان ما انتكست كتجربة ثورية لتتحول إلى النقيض تماماً، والسبب الرئيسي يكمن في عدم ممانعة الثوار والثورة معاً للوقوع في مراحلها المبكرة في غرام أصحاب اللحى والسكسوكات المسربلة (مطاوعة الرذيلة) بصورة أفقدتها باكراً، أي الثورة، عذريتها وعفتها بدرجة دفعتها حينها إلى الإشاحة بنظرها كلياً صوب مغتصبيها، بعيداً عن أعين أبنائها ومواليها (جماهير الثورة الحقيقيين) الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيلها.
فكانت أولى بوادر فقدان هذه العفة الثورية ماثلة في الغول الخليجي الذي غرس مخالبه عميقاً في بدنها الرخو عبر مبادرته الآثمة "المبادرة الخليجية" التي جردتها، كعملية ثورية وطنية، ليس فحسب من كل خصائص ومقومات الديناميكية الثورية الفاعلة التي تمكنها من اكتساب القدرة على إحداث التغييرات المطلوبة على مختلف الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الوطنية، بقدر ما أفسحت المجال في الوقت ذاته وعبر آلياتها المتعددة (على غرار مؤتمر الحوار الوطني ذي المضمون المسرحي) لتحالف إجرامي- مافيوي محلي واسع النطاق ومتعدد الرؤى والأهداف للنهش في بدن الأمة واستباحة البلاد والعبث بأمنها واستقرارها ووحدتها وهدر ثرواتها وكرامتها واستقلالية قرارها السياسي والوطني.
فكانت النتيجة أن تحولت الثورة من أداة للإصلاح والتغيير الوطني إلى أشبه ما يمكن وصفه بعملية نقل منظم للسلطة من نخبة حكم عشائري مستبدة ومنغلقة إلى نخب سياسية وحركية تتشارك مع السلطة القديمة العقلية الاستبدادية نفسها ذات البعد الإقصائي الماضيوي، وذات تجارب سابقة وفاشلة في الحكم أصلاً (منظومة المشترك)، الأمر الذي أسهم وبشكل رئيسي ليس فحسب في تجريد أصحاب الثورة الحقيقية (الشباب والمجتمع) من القدرة على إنجاز أهدافهم ومهماتهم الثورية، وإنما أيضاً في إزاحتهم كلياً عن صدارة المشهد الثوري المفترض وإبقائهم خارج المعادلة التي صنعوها بصبرهم ومثابرتهم ودمائهم النازفة كمرتكز أساسي للتغيير.
في النهاية، وحينما استفاقت القوى والطبقات الجماهيرية المعنية بالثورة على واقع وحقيقة أن ثورتهم الفتية قد سُلبت منهم واغتصبت بالمجان ودون مقابل، فإنها لم تتوان كأداة ثورية فاعلة في تجشم العناء مرة أخرى في سبيل استعادة شرف ثورتها وتطهيرها من دنس الإخوان وأعوانهم من أباطرة الثورة المضادة، وذلك عبر ثورة جماهيرية وشعبية تصحيحية ومكملة تكللت بالنصر المؤزر في الواحد والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014، رغم فداحة الثمن الذي تعين على الشعب والبلاد والثوار دفعه ولا يزالون حتى اللحظة من أمنهم ودمائهم ولقمة عيشهم ومستقبلهم المهدد بجحافل العدوان والتآمر والعمالة والارتزاق والتكالب الأممي الجبار والمدفوع بهدف واحد ووحيد فقط، وهو وأد وإخماد كل نفس ثوري مقاوم في طول هذه البلاد وعرضها. ومسألة كتلك تعد بديهية للغاية، ليس فحسب جراء استفحال وتفشي ورم الإخوانجية في البلاد، وإنما لتحاشي الوقوع مستقبلاً في غرام المطاوعة.

أترك تعليقاً

التعليقات