محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -

في الوقت الذي ارتفعت فيه حصيلة ضحايا الولايات المتحدة الأمريكية جراء جائحة "كوفيد 19" إلى 250 ألف وفاة و11 مليون مصاب، إذا بهذا البلد المسكين والوديع والمسالم ـ عافاه الله ـ وفي خضم موسمه الانتخابي يعاني من جائحة أخرى أشد فتكا وخطورة ربما من سابقتها، والتي يمكن تسميتها مجازا "تقرحات النمط الديمقراطي العربي" الذي أصاب ترامب أولا على ما يبدو لينتقل بعدها وبشكل كارثي إلى أركان إدارته وأغلبية ناخبيه وأعضاء حزبه الجمهوري، ما دفع أمريكا إلى الوقوع في حالة مأساوية من الخوف والذهول والترقب والقلق… الخ.

طبعا التقديرات الأولية تشير إلى أن الرئيس ترامب وبعض مساعديه الأكثر قربا قد يكونون هم المسؤولين الرئيسين عن نقل وتفشي هذه العدوى غير المحمودة وانتشارها الكارثي في المجتمع الأمريكي، حيث يخمن خبراء مكافحة الأمراض والأوبئة المعدية أن المرجح أن دونالد ترامب ومعاونيه نقلوا العدوى إلى شعبهم من الشرق الأوسط دون قصد طبعا، بعد أن التقطوها أثناء اجتماعاتهم التآمرية المتكررة والمغلقة في أغلبها خلال الأعوام الفائتة مع زعماء عرب مرموقين على شاكلة ثنائي الرياض (سلمان ونجله المراهق محمد بن سلمان)، ومع ابني زايد، بالإضافة إلى زعماء تلك المملكة مترامية الأطراف (مملكة البحرين)!!، والزعيم المعجزة سيسي مصر الذي خضع على ما يبدو لتدريبات مكثفة من قبل إدارة ترامب لتمكينه من إجادة دوره الجديد والمرسوم له بدقة كقواد (ملاحظة: القواد عندنا هو مصطلح جديد مشتق من كلمة قائد أو القائد).
فالأزمات التي فجرتها سياسة محمد بن سلمان على سبيل المثال وأغلبها بدعم ومساندة إدارة ترامب خلال الأعوام الأخيرة، سواء عبر فرض قبضته الحديدية ضد شعبه في الداخل السعودي والتي أعقبت انقلابه الملكي على السلطة وتقويضه لأسس التوازنات القائمة داخل العائلة المالكة والمعتمدة منذ نشوئها، بما رافقها طبعا من توسع مطرد لنشاط جهاز أمن الدولة السعودي الذي استحدث في يوليو/ تموز 2017، والخاضع مباشرة لأوامر وتوجيهات القصر الملكي، والذي يعتمد في أساليبه على مستشارين من جهاز أمن الدولة المصري سيئ الصيت، في تنفيذ أعمال القتل والاعتقالات التي لم تفرق ما بين معارضيه المحتملين داخل العائلة المالكة وخارجها، وما بين رجال الدين ودعاة الإصلاح السياسي والاجتماعي، وحتى الشخصيات التي التزمت الصمت ولم تتخذ موقفا صريحا لصالح محمد بن سلمان، سواء فيما يتعلق بانقلابه اللصوصي على القصر أو فيما يخص مواجهته مع قطر، مرورا بقيادة ابن سلمان لحرب التحالف العربي ضد اليمن أو علاقة بلده المتوترة مع إيران، وكذا الأزمة الخليجية المترتبة على حصار قطر، وأخيرا استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض وما أثارته من ردود فعل، كلها أمور ألهمت ترامب أو لنقل مجازا أقنعته بأن نمط الحكم الديكتاتوري هو الأنجع لحكم شعبه وبلاده.
وليس أسهل على ترامب في هذه الحالة من اعتماد أسلوب وشعارات صديقه وحليفه المدلل محمد بن سلمان للتشبث بالكرسي.
فمزاعم الفساد والإرهاب والتآمر والمحسوبية والتخابر و... و... و... الخ، والتي استخدمها ابن سلمان بإفراط ضد خصومه ومناوئيه لإنجاح مشروعه اللصوصي والانقلابي على السلطة ولتدشين مشاريعه الانبطاحية والتطبيعية، هي ذاتها الشعارات التي يرفعها ويروجها حاليا الرئيس دونالد ترامب ضد خصومه الديمقراطيين وحتى ضد معارضيه من داخل إدارته ومن الحزب الجمهوري، وإن بقوالب مبطنة وأكثر تحضرا، بما فيها الطرد الوظيفي لمسؤليين رفيعين في إدارته، وذلك في إطار سعيه الانقلابي على نتائج الانتخابات الأمريكية وعلى إرادة الشعب الأمريكي على وجه العموم.
دونالد ترامب الذي تمكن سابقا من النجاة من عدة جوائح فضائحية كادت أن تؤدي به إلى مواجهة مصير سلفه الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون الذي أجبر على الاستقالة في قضية "ووترغيت" عام 1968، منها ما هو متصل بعلاقاته المشبوهة مع كارتلات المافيا ومع المخابرات الروسية التي قدمت الدعم اللوجستي لحملته الانتخابية الرئاسية لعام 2016، أم تلك المتعلقة بإقامته علاقات جنسية خارج إطار الزواج مع بعض الممثلات الإباحيات ما اضطره حينها لدفع أموال طائلة بهدف شراء صمتهن.
ربما لن يكون محظوظا هذه المرة بدرجة كافية للنجاة من جائحة محمد بن سلمان، استنادا ليس فحسب إلى ضخامة الإرث المدني والديمقراطي المتجذر في حياة الأمريكيين ما يجعلهم منيعين فعلا من الوقوع تحت تأثير هذه الجائحة المتغلغلة بنمطها الرجعي والماضوي، وإنما بالاستناد أيضاً إلى ما تداولته أحدث التقارير الصادرة في هذا الشأن حول حقيقة أن دونالد ترامب لأول مرة في حياته بات محاصرا وقلقا بعد أن بدأ انحسار مؤيدي زيفه يبلغ حتى نطاق حلقته الداخلية، ما يؤكد احتمالية رحيله من عرش اليانكي وبقاء جائحة ابن سلمان لبعض الوقت ريثما ينجح العلماء في إيجاد لقاح شافٍ يعيد للشعب الأميركي عافيته المدنية والديمقراطية.
وتلك ستكون بالتأكيد من أولى مهمات إدارة الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، الذي أناصره أنا شخصيا بشدة ليس لكونه ديمقراطيا حقيقيا ولا لكونه نائبا سابقا لرئيس أسود على شاكلتي، ولكن لثقتي الأكيدة بخلو هذا الرجل (بايدن) من جائحة ابن سلمان، ولعقلانيته أيضاً والتي ستحتم عليه دون شك التعامل مع الأشياء من منظورها الواقعي، منها على سبيل المثال التعامل مع محمد بن سلمان على أساس حجمه الحقيقي كـ"طفل منفوخ"، وليس كقيصر عصره، وبما من شأنه الإسهام ليس فقط في إجبار ابن سلمان على تخفيف عنترياته في الداخل والخارج، وإنما أيضاً على عيش هواجس أفعاله وجرائمه السابقة التي لن يجد لها غطاء دوليا واعتباريا سميكا كذاك الذي دأبا على توفيره له بانتظام الثنائي (ترامب ـ نتنياهو) على غرار مبادرتهما السابقة في إنقاذه من براثن الموقف المخزي الذي تعرض له في الثلاثين من نوفمبر العام الفائت 2019م حينما وصل إلى العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس للمشاركة في قمة العشرين، حيث تم إبلاغه آنذاك بأن ثمة قاضي تحقيق أرجنتينياً مكلفاً بفتح تحقيق قضائي معه بدعوى من منظمة "هيومن رايتس ووتش" حول مسؤوليته في اغتيال المعارض السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول وسجناء آخرين في السعودية وكذلك في جرائم الحرب التي ترتكبها قواته في اليمن.
في النهاية، جميعنا نعرف أن محمد بن سلمان لا بد أن يدفع ثمناً سياسياً وجنائيا عاليا على كل أفعاله، وأن الثمن سينعكس حتماً وفي المستقبل القريب على الحلف المعقود مع حُماته الدوليين أمثال ترامب ونتنياهو. لكن السؤال الأساسي هو: متى؟! وأين؟! وكيف؟!
وحتى يحين ذلك الوقت ما علينا سوى الانتظار والصلاة بالظفر المؤزر لجو بايدن... وللحديث بقية.



* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات