دويلة عيال زايد غير آمنة!
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
1400 كيلومتر بالتمام والكمال هي المسافة التي قطعتها الصواريخ الباليستية والمجنحة «الحوثية» والمسيرات المزينة بشعارات الصرخة لتدك مطاري أبوظبي ودبي ومصفاة النفط في منطقة المصفح الإماراتية صبيحة يوم الاثنين الفائت 17 كانون الثاني/ يناير، في عملية نوعية برهنت مجدداً على قدرة صنعاء، وحركة أنصار الله عموماً، على بلوغ المدى الذي تريده لإفهام العدو أن بإمكان الشعوب الفقيرة والمستضعفة اكتساب القدرة والقوة من وسط أنينها وأوجاعها المتصاعدة ومن بين ركام الفوضى والخراب الذي خلفه العدو في حياتها.
رد صنعاء الأول عملية «إعصار اليمن» على استئناف دويلة عيال زايد لنشاطها التآمري والعدواني في شبوة والجنوب كانت له آثاره وتداعياته الكارثية على صعيد الأمن القومي والاقتصادي لهذه الدويلة الشاذة، والذي كان يمكن أن يتسم بأبعاد أوسع دماراً لو أن مهرجي أبوظبي أقروا صراحة بمجمل الأضرار والأهداف التي طالتها الصواريخ الباليستية والمجنحة، لولا أنهم تكتموا كعادتهم على أغلب الأهداف التي طالتها الضربة، مقرين أو معترفين فقط بما لم يتمكنوا من إخفائه عن أعين شعبهم والعالم، أي بالأضرار التي طالت فقط صهاريجهم النفطية، دون الإشارة إلى عمق الضربة والدمار الذي لحق بمطاراتهم في دبي وأبوظبي، والذي أكدته العديد من التقارير والبيانات الإعلامية الصادرة عن أكثر من جهة دولية، والتي أشارت في أغلبها إلى تعطل حركة الملاحة الجوية في مطاري دبي وأبوظبي لساعات عدة عقب الضربة الصاروخية المظفرة.
وبالطبع، فقد توالت بيانات الشجب والإدانة المنددة بهذا «الإرهاب الحوثي» العابر للحدود، بحسب زعمهم، والتي صدرت في مجملها من جميع الأطراف والدول المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في جريمة العدوان المرتكبة على مدى سبعة أعوام ضد الشعب اليمني، بدءاً بأمريكا ومروراً بفرنسا وبريطانيا ومصر والمغرب والكويت والبحرين وقطر، وصولاً إلى مملكتي قرن الشيطان وربيبتها الأردن، وانتهاءً ببعض «طالبي الله» الكثر على طريقة علي محسن الأحمر، أمثال سعد الحريري وسمير جعجع والسيد أنطونيو غوتيريش الذي نجح في إفراغ منظمته الدولية من محتواها الأممي وتحويلها إلى أشبه ما تكون بمنظمة خاصة لـ»الأمم الصهيوأمريكية خليجية»، وصولاً بطبيعة الحال إلى السيد نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء اللبناني، الذي يمكن تفهم موقفه بعد أن أصيبت حكومته في الأشهر الفائتة بشلل دماغي شبه كلي وبلغت حافة الاندثار الفعلي تحت وطأة المصطلح القرداحي الشهير حول عبثية الحرب العدوانية في اليمن.
لكن هل يفهم كل هؤلاء، والغربيون على وجه الخصوص، ماهية الإرهاب العابر للحدود، من منظورهم الأخلاقي على الأقل؟! وهل يدركون حقا الفارق الفعلي ما بين الإرهاب وما بين المقاومة الوطنية المشروعة؟!
بالتأكيد، هم يدركون ذلك تماماً، لولا أن المصالح السياسية والقومية والشخصية باتت تطغى في زمننا الحالي على ما سواها من القيم والمبادئ والأدبيات والمثل الحضارية والإنسانية، وإلا لتوافقت في مثل هذه الحالة، على سبيل المثال نظرة الرئيس الفرنسي السيد ماكرون وأعضاء حكومته، مع المفهوم التاريخي لنظام الجنرال بيتان (رئيس حكومة فيشي الفرنسية العميلة)، والشبيهة إلى حد ما بنظام الأفندم هادي اليوم في بلادنا، على اعتبار نضال المقاومة الفرنسية ضد الألمان إبان الغزو النازي لبلادهم خلال الفترة 1940-1944 بأنه كان يشكل إرهاباً بحد ذاته، وليس حرب تحرير وطنية مشروعة ومقدسة.
الأمر المثير للسخرية في هذا الصدد يكمن في أن كل الجرائم التي ارتكبها وما يزال يرتكبها حتى اللحظة تحالف العدوان ومرتزقته ضد شعبنا وبلادنا وعلى مدى سبعة أعوام مضت لا تعد عملاً إرهابياً البتة، من وجهة نظر المجتمع الدولي ككل، وأن تدمير كل البني والمقومات الحياتية لشعب كامل وقتل وإبادة مئات الآلاف من نسائه وأطفاله وشيوخه ومدنييه وتشريد الملايين منهم وتدمير كل مقومات أمنهم وعيشهم وحياتهم. لا يعد فعلاً إجرامياً يستدعي التنديد والإدانة والمساءلة الفعلية، كون مثل هذا الإرهاب الجماعي الدولي يعد تحصيل حاصل من منظورهم لمعركة لا يزالون برغم كل مآسيها وبربريتها يصرون بصورة وضيعة ومبتذلة على وصفها زوراً بالحرب التحريرية، فيما العمل الوطني المقاوم، والذي حرص قادته وعلى امتداد مراحل الحرب الآثمة والمفروضة على تجنب العمل بمبدأ الكفاح من منظور ثأري بالشكل الذي قد يسفر بطريقة أو بأخرى إلى الأضرار أو الاستهداف العمدي للمدنيين في الداخل والخارج، يوصم بالإرهاب الذي يستوجب شجبه واجتثاثه.
في النهاية، وبغض النظر عن كل تلك التصنيفات وبيانات الشجب والوعيد والإدانة الصادرة من هنا وهناك، لأن هذا هو ما اعتدناه في الواقع منذ بداية العدوان، فإن ما يهم في الوقت الحالي هو أن عملية «إعصار اليمن» قد برهنت من جهتها، ومع بدء العام الجديد 2022، وبما لا يدع مجالا للشك أيضاً، برهنت على قدرة صنعاء ونظامها الثوري المقاوم على فرض معادلات وقواعد اشتباك جديدة يمكن من خلالها ومع استعادة مقاتلي الجيش واللجان الشعبية كامل السيطرة على أهم المحافظات المحاذية لمملكة الرذيلة مثل الجوف وحجة، نقل المعركة إلى قلب مدن العدو، ليس فحسب عبر الصليات الصاروخية والمسيرات المتساقطة بين الحين والآخر على مدنهم وقواعدهم العسكرية، وإنما أيضاً عبر التوغل البري الذي سيصبح ممكناً في الآجال القادمة، وخصوصاً مع ذلك التحول النوعي الذي تحقق لمقاتلي الجيش واللجان الشعبية بصورة شملت مجمل مسارات العملية الحربية برمتها، براً وبحراً وجواً.
وفيما الصليات الباليستية والمجنحة «الحوثية» باتت تملك زمام المبادرة الدفاعية حالياً، فإن جهود محمد بن سلمان باتت منصبة في الآونة الأخيرة وبشكل مركز على طلب المساعدة الملحة من حلفائه الخليجيين والغربيين على السواء لتعويض النقص الهائل في مخزون بلاده من الصواريخ الاعتراضية (الباتريوت) التي باتت وبحسب العديد من التقارير والمؤشرات على وشك النفاد الفعلي، وهنا يكمن لب معادلة الاشتباك الجديدة والقائمة.

أترك تعليقاً

التعليقات