محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
صبيحة يوم السبت الفائت، 12 آذار/ مارس، أقدمت السلطات السعودية على إعدام 81 شخصا من المغضوب عليهم، بعضهم أسرى حرب يمنيون وسوري، فيما غالبيتهم العظمى كانوا من شباب المناطق الشرقية في السعودية ممن كانوا يطمحون لاكتساب جزء من حقوقهم وآدميتهم المستلبة بدرجة تجعلهم قريبين حتى من مستوى الامتيازات التي تتمتع بها العمالة الوافدة من الفلبين وبنجلادش أو حتى على مقربة قدر الإمكان من امتيازات المواطنة الممنوحة وفق قانون الجنسية الذهبية المبتدع حسب الموضة الذي أقرته مملكة البحرين مؤخراً لصالح المقيمين في أراضيها من غير البحرينيين على حساب أبناء البحرين ذاتها (الطائفة الشيعية) المجردين تباعاً من جنسيتهم الوطنية بسبب تصنيفهم الأمني كما هو معلوم في خانة أعداء الأمة والقومية العربية.
الأمر المؤسف حقاً في هذه المسألة يكمن في أن ضحايا جريمة الإبادة السعودية الجماعية الأخيرة لم ينالوا حظهم المستحق من العزاء والعويل والتباكي الإنساني الدولي على غرار ما حظي به ولا يزال سلفهم المغتال بالأيدي الإجرامية ذاتها (جمال خاشقجي). والسبب في ذلك يعود إلى أهمية وحساسية التوقيت الذي اختاره نظام ابن سلمان بعناية فائقة لتنفيذ مجزرته الجماعية والعلنية تلك بحقهم، وسط معمعة الحرب الأوكرانية الروسية، انطلاقاً من إدراكه الواعي وثقته الراسخة بحاجة أمريكا والغرب الملحة عموماً لاسترضاء أنظمتهم المشيخية المتهالكة في الخليج بغية الاستفادة المرحلية من مخزوناتها وقدراتها الإنتاجية النفطية الهائلة والتي تشكل حجر الزاوية في الوقت الراهن من منظور الغرب لضمان الحفاظ على وتائر الموقف العزلي الدولي ضد نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائماً وموحداً وحاسماً في آثاره ونتائجه التدميرية، بغض النظر طبعاً عن حجم ومدى الدمار الذي دأبت أنظمة الدشداشات الخليجية على إلحاقه بالإنسانية بصورة ثابتة، بدليل الزيارة الميمونة التي قام بها -بعد ثلاثة أيام فقط على تلك الجريمة الجماعية التي نفذتها السلطات السعودية- رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون إلى كلٍّ من أبوظبي والرياض، رغم حملة المعارضة الشديدة من داخل وخارج إنجلترا لتلك الزيارة التي جاءت ربما لتهنئة ابن سلمان على إنجازاته الدموية تلك!
عموماً، وبما أن مثل هذا السلوك الدموي والإجرامي البربري المقيت ليس بالجديد أو بالمستغرب البتة من نظام بني سعود، الذي نشأ أساساً قبل حوالى القرن، على أبجدية القهر والغدر والتآمر والخيانة، خيانة الرب والدين والعقيدة والقيم والثوابت العروبية؛ إلا أن أكثر ما أثار حفيظتي في هذا الأمر يكمن في نوعية وطبيعة التهم الجنائية التي أعدم بها أغلب هؤلاء "المدانين" -وفق الرواية السعودية- والمتمثلة باعتناقهم للأفكار الضالة والارتهان للخارج؛ أي: العمالة بالمفهوم الصريح!!
وهنا ينشأ السؤال الأكثر إلحاحاً على هذا الصعيد، فمعتنقو الأفكار الضالة والهدامة -وفق إعلان السلطات السعودية- هم أولئك المنتمون أو المنتسبون لتنظيمات "القاعدة" على اختلافها، مع أن الأمر المعروف تماماً في هذا الشأن يكمن في حقيقة أن تنظيمات "القاعدة" وبمختلف أطرها وتكويناتها وأينما وجدت في شتى أصقاع المعمورة لم تأتِ من العدم، كون منشئها الأساس ومنطلقها الأيديولوجي الأول منبثق أساساً من رحم المذهب الوهابي الراديكالي المتطرف الذي يشكل الأساس الفكري والأيديولوجي لمملكة بني سعود منذ نشأتها الموبوءة بكل صنوف الرذيلة منذ حوالى قرن مضى، الأمر الذي كان يتعين على أساسه إعدام النظام الملكي السعودي بكل رموزه وفكره الوهابي؛ كون هؤلاء الشباب وغيرهم هم ضحايا في الأساس للتعاليم والجهود التبشيرية لدعاة هذا المذهب الوهابي الضال الذي شكل ولا يزال يشكل حتى اللحظة اللبنة الحاضنة والمنتجة بشكل أساسي لكل بذور الشر والتطرف والإرهاب في المنطقة والعالم.
هذا الواقع ينطبق بجلاء أيضاً على معيار العمالة أو الارتهان، الذي بررت به السلطات السعودية في روايتها الاتهامية إزهاق أرواح من أعدمتهم، خصوصاً وأن هذا المعيار (معيار العمالة) ظل ولا يزال يشكل حتى اللحظة نهجاً راسخاً وعلنياً للنظام السعودي ذاته ومنذ نشأته الأولى إن جاز التعبير، أي منذ فترات سابقة ومبكرة فعلاً على اجتماع العمالة الشهير الذي ضم في شباط/ فبراير من العام 1945 الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود على متن البارجة الحربية الأمريكية "كوينسي" في قناة السويس، والذي أبقى على مملكة بني سعود خاضعة كلياً لمعيار الارتهان والعمالة والتبعية المطلقة لإمبراطورية اليانكي في إطار الاتفاق المبرم آنذاك بين كلٍّ من مؤسس المملكة والرئيس روزفلت: "النفط مقابل الحماية الأمريكية"، الحماية المطلقة لأمن وبقاء الأسرة المالكة ضد مختلف التهديدات المحتملة داخلياً وخارجياً، إلى حد أن ثالث ملوكهم (الملك فيصل بن عبد العزيز) أصدر "أمراً ملكياً سامياً" في إحدى شطحات حكمه الأكثر عمالة وانبطاحية بوضع الموازنة المالية والنفطية برمتها للمملكة تحت تصرف أسيادهم الأمريكان، الذين أربكتهم تلك الخطوة إلى حد أنهم باتوا في حيرة حقيقية آنذاك حول كيفية تعاملهم مع تلك الغنيمة التي هبطت عليهم بصورة لم تكن متوقعة حتى من قبلهم هم.
إذن، وعلى ضوء هذه الحقائق فقد كان الأحرى بالسلطات السعودية التروي قبل الإقدام على إعلان روايتها الجرمية حول الارتهان واعتناق الأفكار الضالة؛ لأن المجرم الحقيقي والوحيد الذي يستحق العقوبة القصوى على تلك التهم هو النظام السعودي دون غيره.

 الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات