محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
أنا ماركسي بالفطرة، من حيث معتقداتي السياسية والثورية، ولست متديناً البتة، كما أنني لا أفقه الفوارق والتباينات المذهبية التي تتقاتلون عليها معشر القبائل، ولست هاشمياً وفق تصوراتكم العقيمة؛ لأن التاريخ لم يُشر أبداً إلى وجود هاشمي أسود في اليمن. وما ربطني ويربطني حتى اللحظة بـ"الحوثيين" هو انتماؤنا المشترك للفكرة والعقيدة الثورية ذاتها.
كان هذا بالطبع لب إجابتي المقتضبة أثناء استجوابي ليل الخميس الفائت من قبل جلاوزة الاستخبارات العسكرية التابعة لمليشيا الخونج بمدينة التربة في مديرية الشمايتين - تعز.
فبعد العاشرة بقليل من صباح يوم الأربعاء الماضي 12 تشرين الأول/ أكتوبر، وأثناء مغادرتي عيادة د. عبدالله المقطري بمنطقة المركز، الذي كان قد أحالني لتوه -بعد الفحوصات الأولية- إلى المستوصف الحكومي في منطقة العزاعز، لسوء حالتي الصحية، حيث أعاني من مضاعفات تليف الكبد المزمن، بالإضافة إلى خضوعي من فترة لعلاج كيماوي مكثف بسبب السرطان...
وإذا بمدير قسم شرطة منطقة المركز - شمايتين، مصحوباً بطقم وسيارة عسكرية أخرى مدججين بأفراد الشرطة المبندقين كعادتهم، يحيطون بي ويجردونني من هاتفي ويبلغونني بأني قيد الاعتقال بموجب توجيهات قيادة الاستخبارات العسكرية في محافظة تعز، ثم قاموا باقتيادي بطقم الشرطة مصحوباً بحراسة مشددة إلى مبنى قيادة الاستخبارات العسكرية في التربة، حيث تم حجزي هناك في زنزانة انفرادية دون طعام أو شراب ودون حتى السماح لي باستخدام المرحاض، حتى الواحدة ليلا، أي صباح الخميس، كما لم يسمحوا لي خلالها بإجراء مكالمة هاتفية لإبلاغ أقربائي بمكان وموضوع احتجازي، مع الإشارة في هذا الصدد إلى أنه وفي وقت اعتقالي صبيحة الأربعاء كنت ما أزال في حالة صيام كلي عن الطعام منذ الليلة الفائتة، لمقتضيات الفحص الطبي. ثم وفي الواحدة بعد منتصف ليل الأربعاء/ الخميس تم جلبي للمثول أمام محققي الاستخبارات العسكرية للتحقيق، وكنت حينها في حالة إعياء صحي شديد من ناحية وإنهاك بدني جراء الصوم القسري عن الطعام الذي استمر من مساء الثلاثاء حتى صباح الخميس. وقد ارتكز استجوابهم لي على العديد من مزاعم وتهم الخيانة والتآمر المشمول أولاً وأخيراً بـ"التحوث".
وبما أن هاتفي كان بحوزتهم منذ لحظة اعتقالي فقد شمل التحقيق كل مواضيع المراسلات التي طالعوها في الواتس ورسائل الـ(إس إم إس) خاصتي، وبالأخص تلك المتبادلة مع العديد من القيادات السياسية والعسكرية والحركية والإعلامية المحسوبة على ثورة أيلول/ سبتمبر 2014 الظافرة، مثل الشيخ سلطان السامعي، والرفيق القاضي أحمد أمين المساوى، وأبو عبدالملك القباطي، قريب الصحفي الفقيد مهيب زوي القباطي، والرفيقين صلاح الدكاك وخالد حسان، والعشرات من الزملاء الذين لا يتسع المجال هنا لذكرهم، بالإضافة إلى استجوابي حول قائمة مقالاتي للأشهر والسنوات التي أعقبت مغادرتي العاصمة صنعاء، حيث بدا واضحاً لي اهتمامهم ومتابعتهم الدقيقة لكل ما ينشر عنهم في الصحافة الموالية لثورة أيلول/ سبتمبر 2014.
وخلال مجريات التحقيق، الذي انتهى في الخامسة صباحاً، ألمحوا لي أكثر من مرة بإمكانية استنادهم إلى فحوى مراسلاتي مع القيادات السياسية والحركية ومضمون مقالاتي الهجومية والعدائية ضد ما يسمى "الشرعية"، لبناء لائحة اتهام ضدي تتضمن استمراري بالعمل المعادي ضد الدولة والتخابر الجنائي والتآمري مع "جماعة انقلابية" ودعم جهودها الانقلابية والعدوانية و... و... و... إلخ.
في النهاية وبعد الانتهاء من استجوابي حوالى الخامسة من فجر الخميس أعادوني إلى زنزانتي ليتبين لي أن تلك المسرحية كانت مكرسة لتطويعي وإجباري على العمل لصالحهم، خصوصاً بعد أن فوجئت بالضابط الثاني في هرم قيادة الاستخبارات العسكرية في التربة يلج عليّ في زنزانتي ومعه بعض الطعام لي وبعض التعاطف الشخصي المزيف ومقترح مفاده أنني أمام خيار من اثنين: إما الاستمرار في مواقفي العدائية الحالية، وبالتالي تحمل تبعاتها، خصوصاً وأن فرصي باتت ضئيلة، وأن الطوق يضيق عليّ رويدا رويدا، وإما المبادرة بإعلان ولائي لشرعيتهم الزائفة والعمل معها وفي ظلها من منطلق الولاء التام والمطلق إن جاز التعبير.
وفي الحادية عشرة من ظهر الخميس أخلوا سبيلي وسلموني هاتفي ونصيحة لي بالتفكير فيما عرضوه عليّ من مقترحات بشكل صائب.
في النهاية، كان بإمكاني ومنذ مغادرتي صنعاء في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2018، أن أكون أفضل حالاً بمئات المرات مما أنا عليه الآن، لولا أنني أرفض العيش في سراب العمالة والارتزاق والتبعية المذلة لزنادقة الخارج. وهنا تكمن مشكلة المرتزقة بمختلف تكويناتهم السياسية والمليشياوية والاستخباراتية والأمنية، والمتمثلة في عجزهم البديهي عن إدراك الفارق الحقيقي ما بين ماهية المرتزق ومعدن الثائر الحقيقي، حتى وإن كان "خادم" على شاكلتي، أو إدراك الفارق أيضاً ما بين كوفية الحرية وعباءة الأوهام الرخيصة والمبتذلة والوضيعة، حتى وإن بدوا كالأسود الكاسرة في مناطق هيمنتهم، حتى وإن استهلوا يومهم كل صباح بعزف وترديد النشيد الوطني، فإن هذا لن ولم يمحُ عن جباههم وصمة العار والعمالة والخيانة والارتزاق، التي ستجرهم يوماً ولا شك للمثول في المكان الذي مثلت فيه أنا ذلك اليوم أمام لجان تحقيق قضائية حقيقية تستمد ولاءها وشرعيتها من الرب ومن الشعب ومن الوطن الذي نفتديه بأرواحنا.

أترك تعليقاً

التعليقات