محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
في مقال له، غرد الصحفي الصهيوني المتطرف بن بوغاز، مخاطباً المجتمعات العربية، بالقول: "خذو دعاوى شيوخكم قد ما بدكوا، واعملوا مظاهرات مليونية في كل بلد عربي وإسلامي، واكتبوا على وسائل التواصل الاجتماعي ضد إسرائيل وأمريكا والغرب أعنف العبارات؛ ولكن اعلموا أن كل حكامكم هم صنائع لنا، ودمى نحركها كيف نشاء. لكم الكلام والصراخ، ولنا الفعل. سنة بعد سنة سنقضم من أرضكم ما نشاء، ونقتل منكم من نشاء. أنتم بالنسبة لنا مجرد كائنات يجب التخلص منها" انتهى.
طبعاً، من حق هذا المعتوه المتطرف بن بوغاز وأمثاله التبجح ملء أشداقهم، وإن كان ما يقوله هنا ليس تبجحاً بالمعنى الحرفي، بقدر ما هو حقيقة واقعة لا لبس فيها؛ كون أغلب زعاماتنا العربية "الميمونة" والمثبتة على كراسيها بمسامير أمريكية و"إسرائيلية" متينة الصنع، هم في الواقع يهود وصهاينة في ذواتهم أكثر من اليهود أنفسهم.
لكن ما أثار تساؤلي فعلا يكمن في أن هذا الـ"بن بوغاز" وأمثاله ربما يحاولون وعن عمد إغفال حقيقة أن يهودية زعاماتنا العربية وانبطاحهم المخزي ذاك، كان هو ذاته المحفز الرئيسي أصلا وراء انفجار هذا الطوفان المقاوم الذي زلزل كيانهم الصهيوني الهش من أساسه، وغمرهم بأسوأ أشكال الخوف والفزع القومي الذي بدؤوا يتجرعونه الآن فعلا، وبالقنطار أيضاً، مثلما يتعمد متطرفو الصهيونية هؤلاء إغفال حقيقة أن رسالة "طوفان الأقصى" الموجهة للكل (الكيان الصهيوني وحلفاءه العرب والغرب معاً) كانت واضحة هذه المرة بشكل لا لبس فيه، من حيث دلالاتها العميقة ومضمونها القائل بأن رهانكم على زعامات التطبيع والانبطاح العربي هو رهان فاشل بالتأكيد، وأن هذا الطوفان الملحمي العاصف ما هو في الواقع إلا مقدمة لدورة جديدة من العنف النضالي الناجم بطبيعة الحال عن وطأة الشعور القومي بالخذلان والظلم والمرارة والهزيمة المنبعثة من ابتذال وتآمر "بتاع" صوالين ومطابخ التطبيع ذاتها. ولو لم يكن هذا الأمر صحيحاً إذن فما السبب الذي دفع بكيانك الشاذ (الكيان الصهيوني) -يا بن بوغاز- إلى إعلان حالة الحرب الشاملة و"المقدسة" ضد قطاع ساحلي صغير ومزدحم ومحاصر، (كقطاع غزة المقاوم) لا يكاد يتجاوز عرضه بضعة كيلومترات، مقروناً بإعلان حالة الطوارئ القومية في "إسرائيل"، والذي يعني بالضرورة وضع كافة إمكانيات ومقدرات الكيان وموارده المتاحة تحت تصرف آلته الحربية لخدمة حربه الراهنة ضد أسود وبواسل المقاومة؟!
وبما أننا جميعاً على دراية عميقة، أيها الـ"بن بوغاز"، بأن مظاهر العمالة المفضوحة لأنظمة الحكم الرسمية في عالمنا العربي ظلت ولا تزال تشكل حتى اللحظة واحدة من أكثر الملامح قبحاً وضرراً لتاريخنا ولقضايانا وتطلعاتنا التحررية والقومية، فإن ما ينبغي عليك أن تدركه أنت هذه المرة ككاتب وكمتطرف صهيوني، يكمن في حقيقة أن أحرار ومقاومي العالمين العربي والإسلامي لم يعودوا يراهنون أو حتى يفكرون منذ زمن مضى برهن واقع ومستقبل كفاحهم وتطلعاتهم النضالية بهؤلاء البشمركة القابعين في كراسينا عنوة؛ ولكن إلى حين طبعاً، وليس إلى الأبد كما تتوقعون أنتم وهم.
كما ينبغي عليك إلقاء نظرة موضوعية فاحصة على طبيعة الواقع المختلف الذي بات يكتنف اليوم أغلب حركات الردع والمقاومة، لتدرك بنفسك مدى مستوى ودرجة النضج والتطور الكفاحي الذي شمل -خلال العقود الأخيرة- مجمل هذه الحركات التحررية في عالمنا العربي والإسلامي، من فلسطين إلى لبنان إلى اليمن إلى العراق، وأن هذا التطور حدث بمعزل حقيقي وضد إرادة من تعولون عليهم أنتم أصلا من رموز وساسة أنظمة حكم عميلة في بلداننا، والذين بات ينظر إليهم عملياً من قبل شعوبهم ومجتمعاتهم بوصفهم جزءاً من كيانك وتركيبتك الصهيونية ذاتها، التي ينبغي مقاومتها وإذلالها دون هوادة بوصفها العدو الأول والخطر الداهم على أمن ومستقبل الأمة.
ينبغي عليك أيضاً أن تدرك في هذا السياق أن مراحل الركود السياسي الذي فرضته انبطاحية وعمالة زعاماتنا العربية على مدى عقود زمنية ماضية ومظلمة حيال قضيتي التحرر في كلٍّ من لبنان وفلسطين، وإذا ما أضفنا إليها عنترة وبلطجة كيانك الهجين ضد أصحاب الحق الشرعيين والتاريخيين (شعب فلسطين) وإيغاله في قمعهم وحصارهم وتشريدهم والتنكيل الممنهج بهم، فإن كل تلك العوامل مجتمعة كانت هي السبب الرئيس وراء نشوء هذا النوع من مراحل التطور الهادئ والمدروس الذي شاب بنيان المقاومة إجمالاً، حتى بلغت هذا المستوى من النضج والاحتراف الذي دفع بأسيادك وقادة كيانك يا بن بوغاز (الحكومة الصهيونية) إلى إفراغ مستوطناتها وإغلاق مطاراتها واستجدائها النجدة على مستوى العالم أجمع جراء عنف وقوة ضربات المقاومة وبسالتها التي فاجأت العالم أجمع، بمن فيه أتباعكم أيضاً في مقاهي السلطة العربية ومطابخها الخلفية، ما يوحي بوضوح بأن المعركة الحالية المتمثلة بطوفان العزة إنما هي مرحلة واحدة وربما قد تكون مجرد جزء ضئيل من تحضير قوى المقاومة لمعركة أو لمعارك مقبلة ربما لن يكون بالتأكيد في مقدورك يا بن بوغاز وقادتك وحلفائهم وعبيدهم العرب أيضاً تخيل أبعادها ومآثرها وحتى نتائجها الكارثية على مستقبل العمالة ذاتها على المدى الزمني الطويل؛ كون الطوفان الأخير "طوفان الأقصى" هو في الحقيقة وبقدر ما هو عمل ثوري تحرري في الصميم، هو هبة قومية من شأنها العمل على إعادة تصويب مسار الأمور في نصابها الصحيح، من خلال وضعها أو تأسيسها لأولى اللبنات الكفيلة بإحباط مشروع إنشاء "الشرق الأوسط الجديد" المأمول غربياً وأمريكياً وصهيونياً أيضاً، والجاري تشكيله بهمة ضمن قطار التطبيع المكرس أولاً وأخيراً لجعل مسألة الوجود القومي لـ"شعب الله المختار" (اليهود) أمراً واقعاً ومقبولاً ومتعايشاً معه، بل ومندمجاً حتى ضمن نسيجنا القومي والعضوي، إن جاز التعبير.
وما الاشتباكات الضاريةً التي خاضها مقاتلو المقاومة في عمق ديارهم السليبة في الأراضي المحتلة مثل مستوطنات "أوفاكيم" و"سديروت" و"ياد مردخاي" و"كفار عزة" و"بئيري" و"يتيد" و"كيسوفيم" وغيرها، إلا نموذج ضئيل فقط لما هو آتٍ مستقبلا يا "بن بوغاز" على أيدي مجاهدين بواسل لا يقيمون وزناً بالمرة لمن تعولون أنتم على عمالتهم من زعماء لم تعد تربطهم أية صلة بالعرب والعروبة، والعبرة وقت الكيل.

أترك تعليقاً

التعليقات