محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
حينما غادر جنرال المرتزقة رشاد العليمي صنعاء في بداية العدوان متجهاً صوب عاصمة أسياده الجدد/ القدامى (الرياض) للحاق بسلفه هادي، كان موقفه الخياني أكثر خزياً ووضاعة من موقف الجنرال الروسي أندري فلاسوف إبان الحرب الوطنية العظمى (العالمية الثانية)، التي كانت بلاده تخوضها بيأس وضراوة ضد العدوان النازي خلال الفترة من حزيران/ يونيو 1941 إلى حزيران/ يونيو 1945، حيث كان هذا "الفلاسوف" يقود آنذاك إحدى الفرق العسكرية الروسية الضاربة حينما وقع مع كامل فرقته العسكرية في أسر الجيش الألماني (الوهرمخت)، وليقوم من فوره بتبديل ولائه ضد بلاده مستبدلاً بعلم بلاده، المزيّن بالمطرقة والمنجل، شعار "سواستيكا" (علم النازية) الذي ظل يرفرف خلال أغلب سني الحرب فوق مقار فرقته العسكرية التي تحول اسمها بالطبع إلى "جيش التحرير الروسي" الذي قاتل بثبات ضد بلاده لصالح الجيوش الغازية بهدف الإطاحة بالنظام الشيوعي في موسكو والحلول محل ستالين، قبل أن ينتهي مصيره بزوال جبروت أسياده النازيين.
الفارق هنا بين الجنرالين، فلاسوف الروسي والعليمي بتاعنا، هو أن الأول كان أحد مناوئي ستالين في السر، حتى إذا وقع في أسر الألمان وجدها فرصة سانحة للانقلاب على ستالين ومناهضته علناً، استناداً إلى دعم خصومه النازيين، وذلك خلافاً للعليمي، الذي ذهب إلى الرياض طواعية لعرض خدماته الخيانية ضد شعبه وبلاده.
في البدء لم يكن العليمي يطمح في الحصول من أسياده في بلاط محمد بن سلمان على أكثر مما يناله أمثاله من المرتزقة الكثر والساعين لتحقيق مغنم شخصي كمردود لعمالتهم من شيكات مالية وإقامة باذخة ورحلات مرفهة، بالإضافة إلى ضمان حصتهم المرتقبة من عرق وكدح وكرامة ومستقبل هذا الشعب المكلوم بجحود أبنائه؛ لكن تفانيه في خدمة أسياده وولاءه المطلق لهم أهّله للحصول على أكثر مما كان يحلم به شخصياً، بالنظر إلى الدور الحيوي الذي لعبه منذ بداية العدوان لخدمة الأجندة العدوانية والإخضاعية لابن سلمان ونظامه الفاشي، وخصوصاً خلال سني الحرب الأولى، حيث كان العليمي آنذاك على رأس محددي الأهداف العملياتية المستهدفة من قبل سلاحي الجو السعودي والإماراتي، بالإضافة إلى أنه كان أيضاً ضمن الطاقم الرئيسي لمهندسي غرف العمليات الحربية لجلاوزة التحالف، الذين -بفضل هذا العليمي وأمثاله- لم يبقوا على جسر قائم أو مجمع سكني أو مدرسة أو مشفى أو مصنع أو منشأة خدمية أو قاعات أفراح ومآتم أو أسواق شعبية لم يستهدفوها عمداً وعدواناً، وعلى امتداد المشهد الوطني، وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع، وبصورة يندى لها جبين الإنسانية.
وهو الواقع الذي يتناقض تماماً وكلياً مع تلك الهالة الدعائية التي دأبت وسائل إعلام العدو على تسويقها له أو حوله منذ لحظات تنصيبه الأولى على رأس مجلس الرذيلة الرئاسي من قبل أسياده في الرياض وأبوظبي، في محاولة لإظهاره كرجل وكداعية سلام وتوافق وطني في المقام الأول، فالرجل الذي يخون وطنه ويساهم في قتل ودمار شعبه وبلاده لا يمكن بأي حال أن يصبح رجل سلام؛ إلا إذا أشرقت الشمس من مغربها!
اليوم العليمي مُنصَّب كرئيس لدولة لا يجدها إلا على خارطة مكتبه الفندقي أو على طاولة مولاه محمد بن سلمان، فيما يستحيل عليه من الناحية العملية أن يطأ شبراً واحداً منها بقدميه؛ ليس فقط لكونها عصية على أمثاله من مرتادي مواخير الخيانة، وإنما بالنظر أيضاً، وهذا هو الأهم، لما أفرزته جهودهم التآمرية تلك من إرهاصات انقسامية طالت أغلب أجزائها ومناطقها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً إلى حد بات يستحيل عليه معه إيجاد موطئ قدم له في أي من جغرافيتها الملتهبة والمجزأة حالياً بما ينذر بتشظيها في المستقبل القريب إلى دويلات ومشيخات متعددة بتعدد الولاءات الإقليمية والدولية التي تحكم وظائف أعضاء مجلسه الرئاسي المحنط.
فالسباق المحموم والمتناغم بطبيعته بين فصيلي أبوظبي في مجلسه الرئاسي (طارق عفاش وانتقالي الزبيدي) لكسب ود سادة "أورشليم" وخدمة وترسيخ مصالحها الاستراتيجية طويلة المدى في كلٍّ من أرخبيل سقطرى وجزر ميون – عدن وأرخبيل حنيش في سواحلنا الغربية، يعكسان نوع ومستقبل الجمهورية الآمنة والموحدة التي يتغنى بها العليمي وكأنه في حلم لا يستطيع الفكاك منه، فيما استعرت حدة النشاط والتواجد العسكري الأجنبي المحموم والمتعدد الجنسيات في مطار الغيضة ومحيطها الديمغرافي، وبالنظر في المقام الأول إلى هوية ودوافع هذه القوى المتجمعة هناك من "أورشليم" إلى إمبراطورية اليانكي إلى الفرنسيبن والإنجليز والرياض وأبوظبي، بالتوازي أيضاً مع الحضور العسكري المكثف للأولى والأخيرة في أرخبيل سقطرى.
هذا لا يعكس هوية ومستقبل جمهورية العليمي فحسب، بقدر ما يؤكد نوعية المهام التي أنشئ مجلس العليمي أساساً لتنفيذها، وهي السير بالبلاد إلى واقع التجزئة المحتوم، خصوصاً مع تنامي مظاهر القومية الحضرمية الموجهة وفق البوصلة السعودية، وصولاً في نهاية المطاف إلى تكريس مبدأ حق تقرير المصير لـ"الشعبين: الجنوبي والحضرمي"، كلٍّ على حدة، وبما يتوافق مع طبيعة المطامع والتوجهات الاستعمارية والإخضاعية للقوى المتزاحمة اليوم هناك، في مياهنا ومدننا وصحارانا وجغرافيتنا الإقليمية، تحت شعار تخليص اليمن واليمنيين من "الوثنية الحوثية"، التي لا تزال محصورة هي الأخرى في نطاق شمال الشمال، والواقعة هي الأخرى في فخ الهدننة اللامتناهية المكرسة هي الأخرى (أي الهدن المتلاحقة) على ما يبدو لتهيئة البلاد لطي لحمتها التاريخية، والاستعداد لما هو أسوأ في قادم الأيام.

أترك تعليقاً

التعليقات