محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
«إسرائيل في خطر استراتيجي جسيم».. كان هذا عنوان لدراسة أمنية تحليلية معمقة صدرت أوائل الأسبوع الفائت عن معهد أبحاث الأمن القومي 
«الإسرائيلي» للعام 2022م، وتستعرض الدراسة حجم وكم ونوعية المخاطر الأمنية والوجودية المتنامية والمحيقة بالكيان الصهيوني وبشعبه اليهودي الدخيل على الأمتين العربية والإسلامية.
وقد استفاضت الدراسة آنفة الذكر بعرض أبرز هذه المخاطر والتحديات التي حددتها بخمسة مخاطر رئيسية، وهي:
الخطر الأول: إيران ذات القدرات العسكرية والحربية الجبارة والنفوذ الإقليمي المتنامي والعقيدة الثورية الصلبة.
الخطر الثاني: حزب الله اللبناني بما يمتلكه من قدرات لوجستية وصمود نوعي مقاوم.
الخطر الثالث: فدائيو المقاومة الفلسطينية المسلحة الذين نجحوا على التوالي، وتحديداً خلال المواجهات الأخيرة 2009م و2021م، في فرض معادلات اشتباك جديدة باتت تطاول وتهدد العمق «الإسرائيلي» في الصميم.
الخطر الرابع: «الحوثيون» في اليمن، والذين برهنوا بجلاء مؤخراً وعبر عمليتي «إعصار اليمن» بإمكانية ترجمة شعارهم الثوري العقائدي التقليدي «الموت لإسرائيل» بصورة عملية، وإذا ما اقتضت الضرورة، من خلال تقنيتهم الصاروخية الوليدة والمحلية الصنع (الباليستية والمجنحة) والقادرة بحسب تحليل الخبراء «الإسرائيليين» ذاتهم على بلوغ عمق كيانهم في قادم الأيام.
الخطر الخامس: المخاطر الداخلية المستفحلة والمصنفة وفق الدراسة العبرية بنوعين:
النوع الأول: الخطر الفلسطيني المقاوم بضراوة لكل مشاريع وسياسات التهويد الممنهجة التي تستهدف أحياءه وتجمعاته السكنية وتراثه الديني وهويته العربية الفلسطينية.
فيما النوع الثاني يكمن في تنامي خطر الانقسامات الاجتماعية المستشرية في بنيان المجتمع القومي اليهودي ذاته المنقسم والمتعدد الأطياف وغير المنسجم أصلاً في ظل التراتبية الانقسامية الطبقية الحادة والعميقة التي تعتري نسيجه الاجتماعي بدءاً بطبقة «الأشكناز»، وهي الطبقة الحاكمة والمهيمنة في الغالب على عرش التراتبية الاجتماعية والمعروفين بيهود الغرب، أي المنحدرين من أمريكا وأوروبا، يليهم طبقة «السفارديم» الأدنى مرتبة، وهؤلاء جلهم من اليهود العرب والمغاربة، وصولاً إلى يهود الفلاشة الأفارقة الذين يحتلون (كحالنا نحن أخدام ومهمشي اليمن) المرتبة الأدنى في بنيان الهرم الاجتماعي «الإسرائيلي».
وبالطبع، فإن الأمر الذي ينبغي ألا يغيب عن بال أحد في هذا الشأن يكمن في أن خلاصة هذه الدراسة، وبقدر ما هي باعثة وبشكل فعلي لقلق الصهاينة وحماتهم الرئيسيين في إمبراطورية اليانكي (أمريكا)، فإنها باعثة بنفس القدر، وربما بدرجة أكثر، لقلق وهواجس إخوانهم «العبريين الجدد» من ملوك وأمراء دويلات الخليج الفارسي، والرياض وأبوظبي بصفة خاصة ورئيسية، انطلاقاً ليس فحسب من كم المخاطر والتحديات الوجودية المحيطة بحسب التقرير الأمني «الإسرائيلي» بشقيقتهم الوافدة «أورشليم» التي يعولون عليها حالياً في تأمين الحماية والمناعة الممكنة لعروشهم ودويلاتهم المتهالكة في وجه المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية، وإنما بالنظر أيضاً، وهذا هو الأهم، إلى كون فحوى الدراسة ذاتها يشكل بحد ذاته انعكاساً فعلياً لحجم الفشل والمرارة والإخفاق التي شابت مجمل الجهود والسياسات التآمرية المضنية التي بذلها أمراء وملوك ومهرجو الخليج منذ عقود للحيلولة بشكل رئيسي دون بلوغ «إسرائيل» هذه المعادلة المخيفة على صعيد أمنها القومي والوجودي، إن جاز التعبير.. وذلك عبر سعيهم المضني والحثيث لوأد وإخماد كل دور وكل نفس نابض للمحور المقاوم الذي تمدد بفضل جهودهم التآمرية تلك ليشمل بقعة ديمغرافية واسعة ومهمة تمتد من البحر الأبيض المتوسط مرورا ببحر قزوين وصولاً إلى تخوم أفريقيا على البحرين الأحمر والعربي، خصوصاً وأن هذا التحالف الخليجي ـ «الإسرائيلي» الناشئ في بداياته الأولى، بصورة مبطنة وسرية منذ عقود مضت، على أبجدية الاستهداف السافر والممنهج لمجمل أطراف محور المقاومة، لم يكن خافياً على أحد البتة.
ففي العام 2007م كان محور إحدى أهم الفضائح التي كشفت حجم الدسائس والمؤامرات السعودية ـ الإماراتية ـ المصرية (نظام السيسي) ضد محور المقاومة عموماً، هو السياسي اليهودي الأمريكي «بول وولفويتز» المعروف بكونه أحد مهندسي الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م وأبرز صقور اليمين السياسي المحافظ في إدارة جورج دبليو بوش (الابن)، وتحديداً خلال الفترة من 2001 إلى 2005م قبل أن تتم التضحية به إلى جانب رامسفيلد وزير الدفاع آنذاك في إدارة بوش عقب انتكاسة الجمهوريين في الانتخابات التشريعية النصفية، والذي أشار في مداخلة سياسية ألقاها في العام 2007م أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية ـ الإسرائيلية، المعروفة اختصاراً بـ»الآيباك» ونشرتها آنذاك مجلة «نيوزويك» الأمريكية بنسختها العربية، إلى أن السعودية والإمارات أسهمتا بدفع نصف التكاليف المادية التي تكبدتها «إسرائيل» أثناء عدوانها العسكري ضد لبنان وحزب الله في ما عرف بحرب تموز/يوليو 2006م كثمن مدفوع سلفا لتمكين «إسرائيل» من تقليم أظافر قطب المقاومة اللبنانية وتحجيمه الى أقصى مدى ممكن.
وهو الموقف ذاته الذي حكم سلوك كل من مصر والسعودية والإمارات إبان العدوان «الإسرائيلي» على غزة ومقاومتها الوطنية الباسلة في 2009م من خلال حملاتهم التجريمية الواسعة التي استهدفت آنذاك تحميل حركات المقاومة الفلسطينية الرئيسية، كحركتي حماس والجهاد الإسلامي وكتائب الأقصى، مسؤولية نشوب الحرب، في مسعى تآمري هدفوا من ورائه إلى منح «إسرائيل» الفرصة والوقت الكافيين والمبرر الموضوعي أيضاً للقضاء كليا على فصائل المقاومة تمهيداً لإفساح المجال لتطبيع عربي ـ «إسرائيلي» كامل، تطبيقاً لمبادرة السلام السعودية المقرة ضمن مخرجات القمة العربية المنعقدة عام 2002م في بيروت بشروطها الانبطاحية والهادف من ورائها إلى لم الشمل الجماعي العربي مع «إسرائيل» لتشكيل جبهة عربية ـ «إسرائيلية» موحدة ضد إيران وحلفائها في المنطقة.
في النهاية، كانت نتائج التآمر الصهيوأمريكي خليجي المضني والطويل لتقزيم حجم ودور المحور المقاوم ذات أثر عكسي تماماً، فإيران باتت اليوم قوة سياسية وعسكرية وإقليمية مهيمنة ومؤثرة وشبه مكتفية ذاتياً من حيث قدراتها التصنيعية واللوجستية التي تؤهلها لتزعم المحور المقاوم على المدى الزمني الطويل؛ وهو الوضع ذاته المنطبق أيضاً على حزب الله الذي تحول في أعقاب عدوان تموز/يوليو 2006م من حزب يتمتع بنفوذ محلي محدود إلى قوة سياسية وحربية ذات ثقل ووزن كبيرين على الساحتين اللبنانية والعربية، فيما تمكنت المقاومة الفلسطينية من تطوير أدائها وقدراتها الحربية في أعقاب عدوان 2009م بدرجة مكنتها من فرض معادلات حربية جديدة مقوضة من خلالها هالة «الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر»، والحال ذاته ينطبق على «الحوثيين» الذين ورغم أنهم أخذوا على حين غرة في مارس 2015م في حرب عدوانية كان مداها الزمني مقدراً بحوالي أسبوع واحد فقط من قبل مهرجي التحالف، ها هي اليوم صواريخهم الباليستية والمجنحة ومسيراتهم بدائية الصنع تطال الأعداء في عقر دارهم وتشكل أحد الهواجس الأمنية الرئيسية لأشقاء مهرجي الخليج الوافدين من «أورشليم».
وتبقى مشاعر الأسى لدى معتمري الدشداشات متمحورة فقط –وفقط- حول آلاف مليارات الدولارات التي أهدروها عبثاً من أموال شعوبهم لتغيير واقع ومعادلة ثورية أبت المشيئة لها أن تستمر، وشاءت أن تنتصر لا محالة في النهاية، والعبرة وقت الكيل.

أترك تعليقاً

التعليقات