الرسول يمانٍ
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يغيب عن المنكرين حب اليمنيين لرسول الله وآل بيته، والمشنعين احتفاءهم بذكرى المولد النبوي، والمسيسين لهذه المشاعر والمظاهر الإيمانية، والمتشدقين بنعرات عنصرية مقيتة، تتكئ على سهام عرقية وسلالية؛ أن علاقة اليمنيين برسول الله محمد بن عبدالله، تتجاوز أصالة إيمانهم التي شهد الله لهم بها على لسان رسوله، إلى علاقة دم ووشائج رحم وأواصر قربى، واصطفاء رباني لليمنيين أيضاً.
ينسون أن الاصطفاء الإلهي لقبيلة قريش وأن يكون الرسول الخاتم من "بني هاشم"، يقابله اصطفاء إلهي لليمنيين بأن يكونوا أنصاره، وهو اصطفاء رباني له مقدمات سابقة لمبعث الرسول، ترجع إلى اختيار الله أن يكون أخوال رسوله الخاتم من اليمن عبر سلسلة من المصاهرة جمعت أجداده مع أجداد اليمنيين برابطة دم ووشائج رحم وأواصر قربى، تعزز غيرتهم عليه وحميتهم، بعصبية الدم، الأمضى، حينها.
ينسون أن نبي الله إسماعيل عليه السلام تزوج من قبيلة جرهم اليمنية، رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، وكذلك عدنان نفسه تزوج من ماعنة بنت حوشب الجرهمي، فكان أخوال أبناء إسماعيل وأجداد أحفاده من قبيلة جرهم اليمنية الحميرية، وظل أخواله سدنة لمكة، واستمرت علاقة القربى حتى وصلت إلى أجداد وجدات رسول الله محمد بن عبدالله، لتشمل زوجات عبد مناف وعبدالمطلب.
ينسون أن وشائج الرحم وأواصر القربى استمرت متجددة بين نسل قحطان وعدنان، واليمنيين والقرشيين، فتزوج هاشم بن عبد مناف، من سلمى بنت عمرو بن زيد النجار، زعيم قبيلة الخزرج الأزدية الكهلانية القحطانية، لتكون أم عبدالمطلب يمنية وأخواله يمنيين، وتكون جدة رسول الله الخاتم محمد يمنية وأخواله يمنيين، وقد ورد في جميع كتب السير أن والدة الرسول ذهبت به بعد وفاة والده وقبل وفاتها إلى أخواله في المدينة.
ينسون أن تصديق اليمنيين دعوة خاتم الرسل والأنبياء محمد إلى الله ودينه، وإقبالهم على نصرته، بمجرد علمهم بمبعثه؛ مرده أصالة إيمانهم بالله، وعلمهم المسبق برسول يبعثه الله من بعد عيسى، وتبشيرهم به، وانتظارهم لمبعثه، باعتبارهم أهل كتاب، دانوا بالإسلام، منذ حنيفية إبراهيم ومرورا برسالة موسى وسليمان ورسالة عيسى. بشهادة الله لهم على لسان رسوله الخاتم: "الإيمان يمان".
ينسون أن رسول الله محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، لهذا كله يوم أقبلت عليه قبائل اليمن من كل حدب وصوب في عام الوفود، كَبَّر ثلاثا وقال: «أتاكم أهل اليمن، هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية، والفقه يمان وأنا يمان». كما يرد في الرواية الكاملة للحديث الصحيح المتفق عليه. بل شهد لهم أيضاً بأن «أهل اليمن كقطع السحاب خير أهل الأرض» كما جاء في مسند أحمد وغيره.
ينسون أن هذا الإقبال اليماني ونصرة خاتم رسل الله المتمم لدينه، اصطفاء رباني، أخبر به الله تعالى بقوله: «فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (المائدة:54) وقوله: «إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا»، وهي الآيات التي نزلت في اليمنيين بإجماع المفسرين.
ينسون أن الله خيَّر اليمانيين على لسان رسوله الخاتم محمد، بين غنائم الحرب وبين الرسول، فاختاروه حبا واعتزازا، وإيثارا وافتخارا، كما جاء في الحديث «يا أهل اليمن اقبلوا البشرى»، وناصروه بمالهم ودمائهم وأرواحهم، ونشروا دين الله وحفظوه، وأن رسول الله أطنب في إطرائهم بعشرات الأحاديث دون سواهم، وأخبر أنهم أول من يرد على حوضه كما في الحديث: «إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن».
ينسون أن كتب التراث والتاريخ، على اختلاف مصادرها، بما في ذلك كتب المتعصبين لقحطانيتهم وأمجاد الحضارة اليمنية عبر العصور؛ أوردوا عن كثير من أبرز ملوك اليمن التبابعة الثمانين، بدءا من الحارث الرائش وحتى سيف بن ذي يزن، تبشيرهم بمبعث الرسول العربي محمد، البشير والنذير، ووصاهم لليمنيين من بعدهم بنصرته ودين الله، بل تعبيرهم عن أمنياتهم بأن يمد الله بأعمارهم ليكونوا له خير نصير ووزير.
ينسون أن أول صراع سياسي على السلطة في عهد الإسلام المحمدي، عقب وفاة رسول الله الخاتم، انعكست آثاره على اليمانيين، الذين ناصر غالبيتهم من أوصى رسول الله بالولاية له من بعده بقوله «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، وجرى وصمهم بأول تهمة سياسية يطلقها الحاكم على معارضيه في عهد الدولة الإسلامية، ممثلة بـ»أكذوبة الردة» التي لا تستقيم وكونهم أهل الإيمان، وكون من اتهمهم حديثي إيمان.
ينسون أن قريش كما سائر قبائل العرب، تدرك أكثر من غيرها، مكانة اليمنيين قبل مبعث الرسول الكريم وبعده وفضلهم الذي شرفهم الله به ورسوله، ولهذا اختار كثير من أهلها اليمن وجهة وموطنا وسكنا، بين إخوتهم وأبناء عمومتهم وأخوالهم، وأن لا أحدا منهم يجهل قدر اليمنيين أو عليهم يتكبر، إلا من كان منهم جاهلا أو مريضا، وهم قلة يشذون عن القاعدة العامة ولا ينفونها بقدر ما يؤكدونها، بما يفشل محاولات الوقيعة.
ينسون أن جد رسول الله، عبدالمطلب بن هاشم، تزعم وفدا لقبائل العرب لتهنئة الملك سيف بن ذي يزن بدحره سلطة الاحباش على صنعاء، وقال في حضرته: «إن الله أحلك أيها الملك محلا رفيعا شامخا باذخا منيعا، وأنبتك نباتا طابت أرومته، وعظمت جرثومته، وثبت أصله وبسق فرعه، في أطيب موضع وأكرم معدن، وأنت -أبيت اللعن- ملك العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد».
ينسون أن خطاب عبدالمطلب، أنصف قدر اليمنيين بقوله لملكهم: «سلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلن يهلك ذكر من أنت خلفه، ولن يخمل ذكر من أنت سلفه. نحن أهل حرم الله -عز وجل- وسدنة بيت الله، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزأة»، وأن سيف بن ذي يزن سأله: ومن أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبدالمطلب بن هاشم، قال: ابن أختنا. قال: نعم. 
وقبل هذا وذاك، ينسى المغتاظون من حب اليمنيين للرسول وآل بيته، المتعصبون لقحطانيتهم والمتعصبون لعدنانيتهم، الساعون للوقيعة، أن قحطان وعدنان مردهما إلى جد واحد، هو هود بن سام بن نوح عليهما السلام، أحد أنبياء الله العرب اليمانيين، بجانب أنبيائه صالح وشعيب وذو النون (يونس) كما جاء في قصيدة فخر لحسان بن ثابت، وتعقيب رسول الله عليه بقوله: «أنبياء العرب هود وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر».

*  المقال شذرات من كتاب للكاتب قيد الإعداد والطبع.

أترك تعليقاً

التعليقات