حفلة الهيمنة!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يحدث في هذا الزمان الرديء أن يكون للهيمنة حفلة عالمية واحتفال عالمي بها ومظاهر شرورها وتسلطها في مختلف نواحي الحياة! هذا واقع نعيشه ونشهد وقائعه في غير مجال وميدان وساحة. لكن الغريب هو حالة الانقياد التام لأطراف الهيمنة والانصياع العام للأخيرة بوصفها قدرا لا يفترض رفضه أو التفكير في تغييره، بل التعايش معه والقبول به والاحتفال أيضاً!
قد يحسب البعض لبطولة كأس العالم لكرة القدم، أنها كسرت مؤخرا، قطبية الهيمنة الأوروبية والغربية، لكن هذا نسبي. آثار هذه الهيمنة مازالت شاخصة في قيادة وقرارات الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). 
مازالت أوروبا منذ انطلاق النسخة الأولى للبطولة عام 1930م في الأوروغواي، تستحوذ على 13 مقعدا من أصل 32 مقعدا محددا للقارات الست مؤهلا لبطولة كأس العالم، و18 مقعدا لباقي قارات العالم الخمس بينها 8 للقارتين الأمريكيتين!
تهيمن أوروبا بقيادة بريطانيا و7 دول على رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم، منذ تأسيسه في مايو 1904م، من: فرنسا، سويسرا، بلجيكا، الدنمارك، هولندا، إسبانيا، والسويد، بجانب دول الاتحاد الأول المؤلف من الاتحادات الإنجليزي والويلزي والاسكتلندي والإيرلندي (1882م). ولم تخرج رئاسة الاتحاد عن دول أوروبا (إنجلترا، فرنسا، سويسرا، بلجيكا) إلا مرة واحدة انتقلت لأمريكا الجنوبية ممثلة بالبرازيلي جواو هافيلانج!
ومع أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) “يضم حوالي 209 أعضاء، باستطاعة كل عضو أو كيان المشاركة بمنتخبه الرئيسي”، إلا أن رئاسته ظلت أوروبية طوال 118 عاما، فرأسته فرنسا مرتين وسويسرا مرتين (آخر رئيسين بمن فيهما الراهن جياني إنفانتينو)، وظل النصيب الأوفر لإنجلترا بثلاثة رؤساء من أصل 9 حتى الآن، مقابل رئيس واحد من بلجيكا (سيلدرايرس 1954-1955) وآخر من البرازيل (هافيلانج 1974-1998م).
انعكست هذه الهيمنة، على مكان إقامة بطولة كأس العالم، فهيمنت قارتا أوروبا وأمريكا الجنوبية على استضافة غالبية نسخ البطولة منذ إنشائها، “وخلال 20 نسخة لم تقم البطولة خارج أوروبا إلا مرة واحدة في البرازيل عام 1950، قبل أن تفرض نهضة اللعبة وقوة منتخباتها، إقامة البطولة لأول مرة بقارة أمريكا الشمالية وتحديداً في المكسيك عام 1970م.
كان هذا بقرار من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) اتخذه عقب الحرب العالمية الثانية وتحديدا بعد كأس العالم 1958م، يقضي بـ”المداورة بين دول أوروبا وأمريكا”، استمر سريانه حتى كأس العالم 1998 في فرنسا، عندما قدمت اليابان وكوريا الجنوبية طلبا مشتركا لاستضافة النهائيات في عام 2002، لتكون المرة الأولى التي تقام البطولة في قارة آسيا، ثم بعد مرور 8 سنوات، في قارة أفريقيا عام 2010م.
تظهر أكثر الهيمنة الأوروبية أيضا، في تحديد اتحاد “الفيفا” عدد المقاعد المؤهلة لكل قارة، وقراره في 30 مايو 2015م، استمرار العدد المحدد قبل كأس 2006م، لتحصد قارة أوروبا (13 مقعداً)، تلتها قارة إفريقيا (5 مقاعد)، ثم قارة آسيا (4.5 مقاعد) وقارة أمريكا الجنوبية (4.5 مقاعد)، ثم قارة أمريكا الشمالية ومنطقة الكاريبي (3.5 مقاعد)، وأخيراً قارة أوقيانوسيا بنصف مقعد فقط، إضافة لمقعد المستضيف!
قد نتفهم الهيمنة الأوروبية والغربية على لقب البطولة الذي لم يغادر تلكما القارتين، بل لم يتمكن أي فريق من خارجهما من التأهل للمباراة النهائية خلال 20 نسخة من نسخ بطولة كأس العالم الحادية والعشرين، “فحققت المنتخبات الأوروبية 12 لقبا، مقابل 9 ألقاب حققتها منتخبات أمريكا الجنوبية. استطاعت ثمانية منتخبات الفوز بلقب كأس العالم: 5 من القارة الأوروبية (إيطاليا وألمانيا وإنجلترا وفرنسا وإسبانيا) و3 من قارة أمريكا الجنوبية (البرازيل والأرجنتين والأوروغواي)”.
لكننا لا نستطيع تفهم الهيمنة الإدارية والاقتصادية والسياسية أيضا. إذ لا يخلو الأمر -مع الأسف- مِن تصفيات مباشرة لحسابات سياسية. الأمثلة كثيرة، لعل أبرزها “استبعاد منتخب إندونيسيا ومنتخب زيمبابوي قبل بداية تصفيات كأس 2018م بسبب مشكلات خارج إطار لعبة كرة القدم”. و”استبعاد روسيا، مستضيفة كأس العالم 2018، من المنافسة في بطولة الكأس 2022م بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا”، حسب ما يرد في الموقع الإلكتروني للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)!

أترك تعليقاً

التعليقات