ما بعد الردع
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

جرت العادة أن تنفذ السعودية بعد أي هجوم يمتد إلى عمق أراضيها، هجوما هستيريا على العاصمة صنعاء يتعمد إثارة الرعب والفزع، وأن يكون مدويا ومكثفا بما لا يقل عن 40 غارة جوية، تقصف جميع اتجاهات العاصمة لمجرد القصف وما تعتقد أنه «رد الصاع بعشرة» حفاظا على هيبتها وإخافة خصمها.
لكن السعودية تجنبت هذه المرة «الرد الهستيري» المعتاد على قصف منشآتها العسكرية والاقتصادية في عمق أراضيها، ليس لأنها تحتاج وقتا حتى تنتهي من دهن هذه المنشآت بدهانها السحري «المقاوم للانفجارات والصواريخ»، بل لأن الهجوم الأخير الصاروخي والجوي المُسير، بدا موجعا ومقلقا ومخيفا أيضاً.
الهجوم موجع لأنه الاستهداف الرابع على التوالي خلال أقل من 12 شهرا للعمق السعودي، وعلى عاصمة المملكة الأغنى والأقوى والأعتى في المنطقة، واستكمل تبديد المهابة التي ينفق على صنعها مليارات الدولارات منذ عقود، ليس أمام دول المنطقة الخاضعة لها والخائفة منها، بل أمام سكان المملكة أولا.
وهو هجوم مقلق لأنه أكد مجددا، أن ما سمَّاه الخبراء الأمريكيون في معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية «ابتكارات ارتجالية» توصل إليها الجيش واللجان الشعبية في اليمن؛ تفوقت على فخر الصناعات الأمريكية وتقنيات منظومات الدفاع الأمريكية والكورية والصينية،.. الخ المنظومات المشتراة منذ بداية الحرب.
كما أن الهجوم مخيف لأن استهداف منشآت سيادية سعودية بحجم مقر وزارة الدفاع السعودية وهيئة الاستخبارات العسكرية وقاعدة سلمان الجوية؛ يعني لأي مراقب ومتابع، بطبيعة الحال، أن الهجوم التالي سيكون قصر الملك سلمان (اليمامة وغيره) وقصور ولي عهده وجميع أمراء الأسرة الحاكمة للمملكة.
يُضاف إلى هذا، أن الهجوم لم يقتصر على طائرات «صماد3» المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة «قدس» و»ذو الفقار» التي «جرى تطويرها يمنيا وتعديل مداها وسرعتها وقوتها التفجيرية»، بل استخدم فيه حسب ناطق الجيش «سلاح جديد سيتم الكشف عنه في الوقت المناسب»، ما يضاعف القلق والخوف!
تلك 5 أسباب موضوعية، تفسر تجنب السعودية، هذه المرة، الرد الهستيري المتوحش الشبيه بجنون الأفعى إذا تعرضت لهجوم، وباستثناء غارات طيران التحالف على جبهات المعارك المستعرة في غير محافظة، لم تجرؤ الرياض، هذه المرة، على قصف العاصمة صنعاء، وجعلها عبرة لكل الشامتين بالمملكة!
ظهر جليا مدى الصدمة التي تأكد تعرض النظام السعودي وقواته العسكرية وحلفائه لها، جراء هذا الهجوم، في إصدار ناطق التحالف السعودي تركي المالكي 3 بيانات متتابعة، كانت مرتبكة إلى الحد الذي يؤكد «وقوع ما لم يكن في الحسبان»، كما كان الإنذار والتحذير من صنعاء في 26 مارس الفائت.
وإذا كان بيان القوات المسلحة اليمنية عن عملية «توازن الردع الرابعة» قد سبّب الهجوم بأنه «رد على استمرار الحصار الظالم والعدوان الغاشم على أبناء شعبنا اليمني العظيم وبلدنا العزيز»؛ فإن أقصى استطاعة النظام السعودي في المقابل هو التعنت والتصلب المتبلد في احتجازه سفن المشتقات النفطية.
لكن هذا التبلد يتعين أن يزول سريعا، ويتدارك النظام السعودي الأمر بتحكيم العقل لا العواطف، والترصد لتبعات تغير معادلة الأجواء، والتجرد من تبعات الأهواء والمكابرة وعواقب المقامرة، لأن المجازفة تبدو خطرة وفق تحذير بيان القوات المسلحة اليمنية، من «مغبة التمادي في بغيه وعدوانه وإجرامه وممارسة حصاره الإجراميّ».

أترك تعليقاً

التعليقات