برنيطـة!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا - 

تسمى القعبة عند الإنجليز «برنيطة» وفي العامية «طاقية»، والأخيرة اقترنت في الحكاية الشعبية بالإخفاء أو التخفي، وهو ما تجسده بريطانيا في الحرب على اليمن، يظهر دورها فيها ولا يظهر.. يظهر في رسم سيناريو الفيلم وإخراجه، ولا تظهر في تأدية أدواره الخطرة أو الحرجة، التي تحيلها إلى كومبارس يؤديها، لكنها تظل بطلة الفيلم في النهاية.. تابعوا معي.
بريطانيا أيدت التدخل العسكري للسعودية وتحالف حربها على اليمن، وسوغته بتمرير القرار 2216، وأعلنت دعمها اللوجستي للتحالف، وقال سفيرها حينها إن التدخل جرت دراسته مع بريطانيا منذ أشهر، وأكدت صحف بريطانية مشاركة بريطانيا في تدريب الطيارين السعوديين، بل أكدت مشاركة قوات بريطانية في عمليات عسكرية مساندة للتحالف.
مع ذلك، ورغم حضور رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تريزا ماي، قمة لدول الخليج وتأكيدها «وقوف بريطانيا الكامل مع التحالف ودعم أهدافه»؛ تفضل بريطانيا أن تظهر وسيطا دوليا لـ»دعم إنهاء الصراع في اليمن وإزالة أسبابه وتداعياته على الأمن الإقليمي والدولي» وإحلال السلام، حتى وهي تبرم صفقات أسلحة مع دول التحالف بقيمة 4,5 مليار جنيه استرليني أكثر من هذا، أن الحكومة البريطانية رأت إلغاء تعاهدها «بضمان ألا تستخدم أسلحتها ضد المدنيين» الذي كانت التزمت به لمحكمة تنظر في دعوى حقوقية بمشاركة بريطانيا في انتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن، وأعلنت وزيرة التجارة البريطانية أخيرا استئناف صادرات الأسلحة والذخائر للسعودية، بدعوى أن «استخدام الأسلحة لا يعني بريطانيا»!
لا ينتهي هنا، الدور البريطاني غير الجاد في التخفي الكامل، هناك أيضاً «بحث وزير الدفاع البريطاني مع نائب وزير الدفاع السعودي تعزيز وتطوير التعاون العسكري في الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي والبحر الأحمر» غداة إعلان وزارة التجارة البريطانية استئناف صادرات الأسلحة والذخائر البريطانية للسعودية، وإلغاء تعاهد بألا تستخدم ضد المدنيين.
وحيال تجدد استخدام الطيارين السعوديين الذين دربتهم الأكاديمية الملكية العسكرية البريطانية، أسلحة بريطانيا في قصف المدنيين، يبرز دور آخر تمارسه لندن، لا يتجاوز «التعبير عن القلق» في أحسن الأحوال، مع إضفاء تبادل «الإدانة والاستهانة» بين سفير بريطانيا في اليمن مايكل آرون، ومواطنه البريطاني، المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيتث.
حدث هذا مجدداً، مع مجزرة قتل طيران التحالف السعودي الإماراتي 7 أطفال وامرأتين وجرح 3 أطفال آخرين، بقصف منزل نايف مجلي في مديرية وشحة بمحافظة حجة، وبعدها بـ3 أيام فقط مجزرة قتل طيران التحالف 25 امرأة وطفلا وجرح 7 نساء وأطفال، بقصفه حفل ختان في منطقة المساعفة الخاضعة للتحالف بمديرية الحزم بمحافظة الجوف.
تابع جميعنا إعلان غريفيتث «استهجان قصف المدنيين في الجوف»، وأنه «يجب أن يتم التحقيق في الواقعة بشفافية»، وتابع جمعنا أيضاً إعلان السفير البريطاني مايكل آرون قلقه البالغ حيال «استمرار سقوط المدنيين»، وليس استهداف طيران التحالف لهم، وإعفاءه الأخير من «التحقيق الدولي» الذي طالب به غريفيتث عبر «ترحيبه بقرار التحالف التحقيق في الحادثة»!
يأتي هذا بالتزامن مع تحركات كثيفة لبريطانيا حيال أزمة ناقلة صافر (الخزان النفطي العائم) في ميناء رأس عيسى، وإطلاق تحذيرات صاخبة من مخاطر التسرب المحتمل لنفطها جراء تهالكها وتوقف صيانتها، و»تداعياته الكارثية على حياة الأسماك والأحياء البحرية وفرص عمل الصيادين ونشاط ميناء الحديدة»، والسعي لعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي بشأنها!
لا أحد ينكر المخاطر البيئية والاقتصادية لأي تسرب أو اشتعال محتمل للناقلة، وسبق لصنعاء التحذير مرارا وتكرارا منذ منع التحالف وصول سفينة وقود المازوت لتشغيل محركات تبريد الناقلة، ولا تعارض حكومة الإنقاذ إرسال فريق فني أممي لصيانة الناقلة، بل طالبت بذلك مرارا، كما طالبت بتصدير نفطها وتوزيع عائداته على مركزي صنعاء وعدن لمرتبات الموظفين.
مع ذلك، تقوم قائمة بريطانيا حيال «الخطر الذي يهدد حياة الأسماك والأحياء البحرية»، ولا تفعل بالمثل أو حتى بربع القدر من التحرك والاهتمام والتحذير مع خطر قتل طيران التحالف المدنيين وجرحه عشرات الآلاف، ولا مع حصاره ميناء الحديدة وتقييد تدفق سفن الغذاء والدواء والوقود، بما يعنيه ذلك من إعدام المقومات الأساسية اللازمة لحياة نحو 20 مليون إنسان!
كذلك حيال الصراع في جنوب اليمن، والانفلات الأمني والخدمي، يقول السفير آرون في لقاء مع صحيفة «الشرق الأوسط «السعودية، إن بلاده تتفهم مطالب «الانتقالي الجنوبي» بالانفصال، لكنها ترى أن الوضع في اليمن لا يحتمل مزيدا من الصراع، خصوصاً مع جائحة كورونا، ولا تنصح باتخاذ قرارات وخطوات أحادية». بمعنى نؤيد الانفصال إنما ليس الآن!
تلك لمحة سريعة، لأبرز - وليس كل - تحركات بريطانيا جدة دول تحالف الحرب على اليمن، وكيف أن دورها يظهر ولا يظهر.. يتخفى دون إتقان، ويتعرى دون قفطان، حدا يدركه العميان، ولا يخفى على الشارد والسرحان، وعلى نحو يظهر بريطانيا، تؤدي دور الكابتن أو القبطان، وقبل هذا العراب والمعمدان، لحرب تحالف العدوان على اليمن.. الكيان والمكان والإنسان!

أترك تعليقاً

التعليقات