أي جمهورية!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

تختزل قيادات ووسائل إعلام حزب تجمع الإصلاح والمناصرين لما تسمى «الشرعية» و«حكومة هادي»، الجمهورية اليمنية، في محافظة مأرب، بوصف الأخيرة معقل الجمهورية، والحامي لها، ويجب الدفاع عنها، وسقوطها بيد قوات صنعاء يعني سقوط الجمهورية. في حين أن مأرب فعليا أبعد ما تكون عن الجمهورية ولا تجسد أياً من معاييرها.
الجمهورية لا تعني استئثار جماعة سياسية أو عقائدية أو فكرية بالقرار والسلطة، وليست بأي حال مرادفا لـ«الجماعة» ومصالحها، كما هو الحال مع مأرب واستحواذ جماعة حزب الإصلاح على كل شيء في المحافظة، السلطة والثروة والاستثمار والأمن والجيش، حدا صار معه أهالي المحافظة بحكم الضيوف، الذين لا ينبغي لهم الاعتراض.
قطعا لا يمت لمفهوم الجمهورية، معاداة النظام أو السلطة للمواطنين، ولا حرمان الشعب من حقوق عامة له، يمثل أداؤها له ركنا من أركان تحقق مفهوم الدولة، ثم تجسد مفهوم الجمهورية، والحاصل أن مأرب وسلطتها فعلت، وماتزال تحرم 20 مليون مواطن من أبسط الحقوق العامة لهم، من جانب دولتهم أيا كان نظامها جمهوريا أو «خلافة»!
يتعين على من يرون في مأرب أنموذجا للجمهورية وقلعتها وحصنها وجوهرها،... الخ، أن يجيبوا ويقنعوا من يستمع لهم: هل تعني الجمهورية بأي حال من الأحوال، حرمان الشعب من مقومات العيش، اللازمة للحياة، كالوقود والغاز والطاقة الكهربائية، والمرتبات؟ بالطبع، الإجابة لا، ومن يفعل هذا، ليس دولة، بل مجرد عصابة تستحق العقاب.
قبل هذا وذاك، يأتي بين مفاهيم الجمهورية، لدى مختلف الأطياف السياسية اليسارية واليمينية وما بينهما، الحرية، التي لا تستقيم مع السلطة القمعية أو البوليسية، التي تختطف وتعتقل كل من ليس معها، وكل من ترتاب في كونه ليس من جماعتها، حتى وإن لزم الصمت، وفي هذا تفيد التقارير أن مأرب تحوي اليوم أكبر المعتقلات في البلاد!
كما أن الجمهورية في أبسط مفاهيمها، تعني تداول السلطة عبر الاحتكام للشعب وإرادته الحرة في صناديق الاقتراع، لا في «ساحات براءة الاختراع»، عبر الانتخاب وليس الانقلاب، والحاصل في مأرب، أن من يتصدرون سلطتها لم يأتوا عبر الاحتكام لاختيار الشعب المباشر، من خلال صناديق الاقتراع، ولا صلة لهم بنهج الانتخاب، بل الانقلاب.
الجمهورية، كما نفهمها وكثيرون في هذا الكوكب، لا تعني تسويغ حرب مدمرة، ومهلكة للحرث والنسل، ومفقرة للشعب، ومُجِيعة للمواطنين، في سبيل حكم فرد، يدعى «الرئيس الشرعي» ولا يجسد أدنى مسؤوليات الحاكم، فضلا عن افتقاده أدنى مقومات الشرعية، ليس فقط الشرعية الشعبية الانتخابية، بل أيضاً شرعية الإجراءات والقرارات والتزامها القانون!
ولا خلاف بين جمهور السياسيين في العوالم المتقدمة والنامية والمتخلفة، في أن الجمهورية لا تعني بأي حال الاحتماء بقوات أجنبية وتشييد المعسكرات لها وتسليمها القرار، والتجاوز عن أطماعها والانخراط في أجندتها مقابل المال. ولا تعني اكتساب الشرعية من قوات أجنبية، مقابل منحها شرعية الاحتلال، والتحكم في القرار والمصير. مثل هذا لا يمت للدولة، أصلا.
ليس من الذكاء ولا الحذق، تزوير المفاهيم وتحوير المسلمات، خصوصا في عالم اليوم وثورته المعلوماتية، حدا يصعب معه خداع العامة وغسل أدمغة النشء، وتحويلهم إلى مجرد قطعان يساقون كالأنعام ويرددون ما يلقنون كالببغاوات. الواقع اليوم مختلف، ويتطلب شيئا من المصداقية والشفافية والثبات على الموقف، وما يعرف بالمبدئية في حدودها الدنيا.
لذلك، لا يمكن نفي معنى الجمهورية الأول، وأنها تعني أول ما تعنيه السيادة الوطنية، واستقلال القرار، وتعني مؤسسات دستورية، تمثل تطلعات جماهير الشعب لا شُعبا فيه، ويشارك بكل فئاته في القرار لا نُخبا منه، ويمارس فيها الحكم، إدارة، وانتفاعا، ودفاعا. وليست بأي حال من الأحوال شعارا، ولا يمكن أن تكون صندقة أو دكانا لإثراء ثلة على حساب إفقار أمة.

أترك تعليقاً

التعليقات