ولاية اليمن !
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

يشعر الغالبية بالصدمة حيال الكشف عن وثائق تُظهر مدى الهيمنة الخارجية على اليمن، وارتهانه التام للوصاية. لكن وبتجاوز البعض المشكك في أصالة هذه الوثائق والمتشكك أيضا، يبقى الواقع أكبر شاهد على هذا الارتهان ومآلاته الكارثية قبل وبعد اندلاع هذه الحرب التدميرية الحاقدة.
حين تعرف أن غالبية وزراء الدولة منذ السبعينيات خريجو برنامج فولبرايت (الدارسين في الجامعات الأمريكية) الممول من الكونجرس، ينبغي أن تقف متسائلا: لماذا؟ والجواب: لكي يكون القائمون على الدولة طائعون للولايات المتحدة الأمريكية، إن لم يكونوا عملاء بدرجة بروفيسور!
يتأكد هذا، حين تعرف أن أكبر مؤهلات فعلية لمن عينوا رؤساء حكومات «هادي» كانت تزكية السفير الأمريكي، بل توجيهه بتعيينهم، وحين تلاحظ قراراتهم وتوجهاتهم، ستدرك دون مساعدة من أحد، مصدر هذه القرارات، ومن كان يحكم البلاد، ولأية غاية، وأنها لا تتخطى الأجندة الأمريكية!
وعندما تعلم أن بريطانيا -مثلا- وعقب تنصيب «هادي» سياسيا رئيسا توافقيا انتقاليا مؤقتا، عينت مندوبا خاصا لها لدى اليمن، بجانب سفيرها، وأن هذا المندوب هو حفيد مندوب القلم السياسي البريطاني الذي كان هادي حارسا له في سلطنة الفضلي في أبين، ينبغي أن تتوقف أيضاً!
وحين تعلم أن واشنطن ولندن كانتا وماتزالان، من يُصعد حكام الدول العربية ويُسقطهم، كما تجلى للعيان منذ 2003، على مرأى ومسمع الجميع، وفوق الطاولة وأمام وسائل الإعلام، وليس تحت الطاولة أو خلف الكواليس، ينبغي أن تعرف لماذا يتحد الحكام العرب على تدمير العرب وإذلالهم.
ليست من الأسرار هيمنة دول النفوذ العالمي، الخمس، على دول العالم، وبصورة أكبر ما يسمى «العالم الثالث»، الأغنى ثروات والأقدم حضارات والأشقى معاشا وحالا، والأكثر تشرذما وهوانا، والأفقر شعوبا، فقط لأنه نهب للتدخلات الخارجية والهيمنة والوصاية الأمريكية والبريطانية والفرنسية!
واليمن، إحدى دول هذا «العالم الثالث»، وهي أنموذج صارخ لعبث التدخلات الخارجية والتنافس الإقليمي والدولي في جعله مجرد ولاية تابعة لقوى الهيمنة، تعين عليه من ينخره من الداخل لتفتيت مقدراته وتجميد عوامل نهضته أو تعطيلها، في مقابل تكبيله بعوامل التخلف والفقر والحرمان والهوان!
شخصيا لم يفاجئني كثيرا، ما كشفته وثائق «المراسلات والتقارير الرسمية» التي جرى نشرها مؤخرا، فهي تقر بواقع شهده المتابعون وخبره المراقبون، لأوضاع البلاد ومسارات الأحداث ومجرياتها، وكيف أنها ظلت تسير في الدرب نفسه، مزيد من الارتهان للخارج، في مقابل مزيد من الامتهان للداخل!

ولعل من أجلى الأمثلة على هذا الارتهان للخارج والامتهان للداخل، هو «فدرلة اليمن» ضمن مخطط تقسيم دول المنطقة برمتها تحت شعار الفيدراليات إلى دويلات متناحرة خائرة تابعة وخاضعة، تولى سفراء الدول العشر التزمير والترويج له بوصفه الخلاص لليمن، فيما هو الخلاص من اليمن!
جرى اعتماد وإصدار قرار تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم فيدرالية اتحادية، خلال 11 يوما وفي 3 اجتماعات فقط، بإشراف مباشر من سفراء مجلس الوصاية على اليمن، واعتمدت خريطة وكالة الاستخبارات الأمريكية لليمن وتحديدا خريطة الأقليات (الإثنية) التي تقسم اليمن إلى مناطق مذهبية!
ولا غرابة أن يجري حرف مؤتمر الحوار الوطني عن مساره المحدد وأهدافه المحددة والآمال المعولة عليه، من حل مشكلات الصراعات السياسية وجبر الضرر وتعديل ثغرات التشريعات لضمان عدم تكرار الصراع، إلى بحث اسم وهوية ولغة الدولة ونظامها، فالمؤتمر كان بتمويل سعودي مباشر!

أترك تعليقاً

التعليقات