بين العيون
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تفضح العيون المستور، وبقدر ما تكشف أدواء الجسد ودفائن النفس من مشاعر الفرح والحزن، الحب والكره، الغضب والغيظ، الثقة والتوجس، التيه والحيرة، الدهشة والخيبة، القلق والتوتر، الإشفاق والسخرية، فإنها تُبين الكذب والمراوغة أيضا. أقرب الأمثلة هنا، أصداء العروض العسكرية المتتابعة لقوات الجيش واللجان الشعبية وتخرج دفعات جديدة في مختلف وحداته، وبصورة أكبر العرض الأكبر في مدينة الحديدة.
كانت انعكاسات مشاهد العرض في أعين ناظريها متباينة، تشي بالكثير من المستور. من جانب عكست مشاعر البهجة والغبطة، الفخر والاعتزاز، الثقة والطمأنينة، لدى قطاع واسع من المواطنين، يُعدون بعشرات الملايين، رأوا في العرض العسكري استعراضا لإنجاز قهر الحصار والتدمير الممنهج لعتاد وقوام وعقيدة الجيش منذ سنوات سابقة لعدوان “عاصفة الجرم”، ولجاهزية كسر هذا العدوان وإفشال أهدافه.
على الطرف الآخر، تابع جميعنا مواقف دول تحالف العدوان وأدواتها،وتصريحات سياسييها وناشطيها والموالين لها. بدت متفقة في الدهشة والصدمة، الخيبة والحسرة، القلق والتوتر، التأويل بهدف التهويل، وضمان استمرار التمويل لهذا الفصيل وذاك، من دول “التحالف”. حدث هذا رغم مواجهة قطاع واسع منهم، مجددا، حقيقة خبث هذا التحالف وزيف دعمه ما تسمى “الشرعية” وتأكد سعيه لتنفيذ أجندة أطماعه!
العزة بالإثم، أخذت هؤلاء، بجانب اقتران مصائرهم بمصالح مرتبطة بموالاة الباطل وأهله، وإلا فالمفترض أن يُكبِّروا إعادة بناء جيش من الصفر، بهذا العداد والعتاد. جيش يرفع علم اليمن ويتلقى منتسبوه الأوامر من قيادة يمنية فقط ويلتقون في رفض الهيمنة والوصاية الخارجية وانتهاك السيادة اليمنية. على أن اللافت هو التنديد والإدانة، كما لو أن العروض العسكرية حرام على قوات الجيش واللجان، وحلال لمختلف فصائل مليشيات تحالف العدوان!
معلوم أن تحالف العدوان على اليمن بقيادة السعودية والإمارات ودعم الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والكيان الصهيوني، يتخذ من “الهدنة” وإعلانات تمديدها، خدعة لاستقطاع فرصة وأكبر قدر من الوقت، يحتاجه لإعادة ترتيب أوراقه بما في ذلك تصفيات فصائل مليشياته، منتهية الصلاحية، وتمكين فصائل أخرى مازالت لحاجته إليها بقية.
ومعلوم أيضا، أن بين هذه الترتيبات الجارية من تحالف العدوان، إنشاء عشرات الألوية الجديدة وتمويل تجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين وتسليحهم تحت مسميات مختلفة، أبرزها تداولا “قوات اليمن السعيد” و”قوات محور سبأ” وغيرها الكثير، سعيا لتعزيز احتلاله المناطق الخاضعة لسيطرته بقوات تدين له بالولاء المطلق، دون أدنى احتمال للتمرد بأي حال.
أيضاً مشهود للعيان، توالي استعراضات مليشيات تحالف العدوان في ما بينها البين. ليس بهدف استعراض القوة، بل استعراض الحظوة، وتفاوت مراتبها لدى دول التحالف، في المرحلة الراهنة. يحدث هذا في عدن وأبين وحضرموت، وقبل هذا كان الاستعراض محموما قبل أن يمتد إلى التصادم والمواجهة الدامية في شبوة، واستنزاف مزيد من الدماء اليمنية قربانا للخارج وأجنداته!
لكن غير المعلوم سبب تجاهل الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص وبالمثل بعثتها في الحديدة، كل هذه التحشيدات والاستعراضات والمواجهات من جانب تحالف العدوان ومليشياته. ليس مفهوما أيضا أن تهيج الأمم المتحدة وحكومة أدوات الرياض كمن لدغتهما حية، من عرض عسكري لقوات الجيش واللجان في الحديدة، وتسارع إلى تصنيفه “تصعيدا وخرقا لبنود اتفاق الهدنة”!
دعكم من صمت حكومة أدوات الرياض، عن المواجهات والتصفيات الدائرة بين مليشيات كفيلها تحالف العدوان، واستعادتها مقدرة الكلام حيال العرض العسكري في الحديدة. هذا ليس جديداً على حكومة لا تملك من أمرها شيئا، وقرارها مرهون بدول تحالف العدوان، وجل هم أفرادها استمرار التربح من دماء وأرواح اليمنيين ومعاناتهم وجني أكبر قدر من الأموال وتشييد استثمارات حياة المنفى التي تنتظرهم.
المثير للشعور بالغبن وليس للاستغراب، هو موقف الأمم المتحدة وبعثتها في الحديدة من العرض العسكري لقوات الجيش واللجان. الاحتجاج والتنديد، يؤكد للمرة الألف ارتهان الأمم المتحدة لقوى الهيمنة والشر الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، واشتراك هذه الدول الخمس في العدوان على اليمن، وإلا لكانت نددت بخرق تحالف العدوان جل بنود الهدنة، احتجازا ومنعا لسفن الوقود وعرقلة للرحلات من وإلى مطار صنعاء!
يبقى المؤكد أن استعراض هذه القوة العسكرية الضاربة عددا وعتادا وعقيدة، بعد ثماني سنوات حربا ومواجهة لإمكانات أغنى وأعتى الدول، وبعد تدمير شبه كلي لعتاد وقوام وعقيدة الجيش واللجان، ورغم الحصار المطبق؛ هو صفعة أو كما يقال “ملطام وسط العيون” لدول تحالف العدوان وأدواتهم، لأنه شاهد جلي على فشلهم في تحقيق أهم أهدافهم، التي سبق أن زعموا تحقيقه: تجريد اليمن من قوة الدفاع والردع.

أترك تعليقاً

التعليقات