عزاء سوداني!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

يعيش السودان عزاءً عاماً، ولا أحد يشعر بما يتجرعه مئات الآلاف من إخوتنا السودانيين المفارقين لآبائهم وأبنائهم وإخوانهم الذين سيقوا إلى اليمن في حرب لا ناقة لهم فيها أو جمل، عدا "الحاجة" من ناحية و"الغشاوة" من ناحية ثانية.
أشعر بألم عائلات "أكثر من 8 آلاف جندي سوداني بين قتيل ومصاب ومفقود في اليمن"، حسبما أعلن متحدث الجيش العميد يحيى سريع. مؤكدا "وجود أسرى يتم التعامل معهم إنسانياً"، دون إعلان عددهم، ما يضاعف قلق أهالي 30 ألف مقاتل سيقوا إلى اليمن.
لكن أعداد القتلى والجرحى تظل مؤسفة، وكشفها للعلن بدا صادما لمتحدث الجيش السوداني اللواء عامر الحسن، بقوله: "من أين لهم هذه الأرقام؟!"، ومحاولته تهوينها بأنها "غير صحيحة"، متحفظا على "الصحيحة" بقوله إن "الخسائر من أسرار الجيوش"!
ملعونة هي الحاجة، فهي واقع ماثل تنتجه الفاقة وتنامي البطالة بين أوساط الشباب في السودان وجميع الأقطار العربية، لأسباب ترجع إلى فساد الأنظمة الحاكمة، وارتهانها مع الأسف لإرادة وأجندات الخارج، وحصر الخيارات أمام الشباب في الموت.
الموت غرقا في رحلات البحث عن الهجرة واللجوء أو انتحارا أو بتفجير إرهابي خدمة لأي من جماعات الإرهاب المتكاثرة، أو في حرب غدت مهنة متاحة تؤمن راتباً لمن يعيلهم هؤلاء الشباب، كما هو حال كثير من اليمنيين والسودانيين بصفوف التحالف.
يبرع تحالف المال المدمر للأمة والمنطقة في تأدية مهمته؛ إنهاك المجتمعات العربية بفتن الاقتتال، وإعدام فرص العمل ومعها فسحة الأمل في غد أفضل، وتبعا تهيئتها لخيار امتهان الحرب، واتخاذها حرفة تدر المال وإن كانت محفوفة بالموت المحتوم.
كذلك "الغشاوة"، ثاني عوامل امتهان القتال واتخاذه حرفة، أكثر منه حاجة فرضتها حمية أو نخوة أو غيرة على عرض أو مال أو عقيدة، أو اقتضتها ضرورة الدفاع ورد اعتداء أو غزو أو احتلال.. لا شيء من هذه الدوافع لدى المقاتل السوداني، عدا الغشاوة.
عمد تحالف الحرب السعودي ونظام البشير إلى تسويق دافع يبرر للأفراد، قبل أسرهم ومجتمعهم، الذهاب للقتال في اليمن، ويجعل الأمر يبدو - رغم كونه مقابل المال - مهمة دينية ووطنية وقومية، باعثة على الفخر ومستحقة للتضحية!
الأحاديث المصورة لعدد من أسرى قوات السودان المشاركة في حرب التحالف السعودي، التي بثها الإعلام الحربي للقوات المسلحة اليمنية، أكدت حجم الغشاوة التي عممت على أبصار وبصائر جنود وضباط هذه القوات!
"الدفاع عن مكة والمقدسات الإسلامية من المجوس اليمنيين الذين يريدون احتلالها وهدم الكعبة"! مبرر واحد لأفراد القوات السودانية المستقدمة للقتال في اليمن من التحالف السعودي، ومثلهم قوات السعودية وغيرها من دول التحالف.
قد يقول البعض إنها أحاديث من وقع في الأسر، وإنها مملاة عليهم، وغير ذلك. وكان يمكن أخذ هذا بعين الاعتبار لولا أن هذا الحديث نفسه ردده مرارا الرئيس السوداني المطاح به عمر البشير، وبالمثل وزير دفاعه وقاداته العسكريون الحاكمون اليوم!
لاحظوا فقط هشاشة الادعاء وفكر المتلقين له حدا لا يعلمون معه أو يغفلون عن حقيقة أن صفة "مجوسي" لا تجتمع وصفة "مسلم" بأي حال، فالأول يعبد النار، والثاني من أي مذهب أو جماعة كان، يؤمن بوجود الله، وأن لا إله إلا الله، ويعبده وحده!

أترك تعليقاً

التعليقات